الامارة فانك ان أعطيتها عن مسئلة وكلت اليها، وان أعطيتها عن غير مسئلة أعنت عليها (١).
وفى اعلام الموقعين: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع فى الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه اياها غيره، فاذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده فى معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن عباس: ان كل من أفتى الناس فى كل ما يسألونه عنه لمجنون، قال مالك وبلغنى عن ابن مسعود مثل ذلك.
وقال سحنون بن سعيد: أحسن الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه.
قلت «ابن القيم» الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته، فاذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم، واذا اتسع علمه اتسعت فتياه، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا، جمعت فتاواه فى عشرين سفرا، وكان سعيد بن المسيب أيضا واسع الفتيا وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب الجرئ.
وقال ابن وهب حدثنا أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عوف عن ابن سيرين قال:
قال حذيفة: انما يفتى الناس أحد ثلاثة.
من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بدا، أو أحمق متكلف.
قال فربما قال ابن سيرين: فلست بواحد من هذين ولا أحب أن أكون الثالث قلت:
(ابن القيم) مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة اما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد، وتفسيره وتبيينه، حتى انهم ليسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفى لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه.
ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به اشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر.
وقال هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: قال حذيفة: انما يفتى الناس أحد ثلاثة: رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه وأمير لا يجد بدا وأحمق متكلفا، قال ابن سيرين: فأنا لست أحد هذين وأرجو أن لا أكون أحمق متكلفا.
(١) هذا الحديث أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى مختصرا ومطولا وأبو داود