للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه - من الاجتهاد حسب طاقته، فمن سأل عن دينه فانما يريد معرفة ما ألزمه الله عز وجل فى هذا الدين، ففرض عليه أن كان أجهل البرية أن يسأل عن أعلم أهل موضعه بالدين الذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فاذا دل عليه سأله، فاذا أفتاه قال له المستفتى: هكذا قال الله عز وجل ورسوله؟ فان قال له نعم أخذ بذلك وعمل به أبدا، وان قال له: هذا رأيى، أو هذا قياس، أو هذا قول فلان، وذكر له صاحبا أو تابعا أو فقيها قديما أو حديثا أو سكت أو انتهره أو قال له لا أدرى، فلا يحل له أن يأخذ بقوله ولكنه يسأل غيره، برهان ذلك قول الله عز وجل (١) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»}. فلم يأمرنا عز وجل قط‍ بطاعة بعض أولى الامر فمن قلد عالما أو جماعة علماء فلم يطع الله تعالى ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا أولى الامر، واذا لم يرد الى من ذكرنا فقد خالف أمر الله عز وجل، ولم يأمر الله عز وجل قط‍ بطاعة بعض أولى الامر دون بعض.

فى الهامش علق المحقق فقال: كلام المصنف رحمه الله مبنى على أن المراد بأولى الامر العلماء، وهو أحد أقوال السلف فى تفسير الآية ثم على كلام المصنف

المراد: استرووا العلماء عن أحكام الكتاب والسنة وأن الفتيا معناها رواية الكتاب والسنة وقبول رواية العالم ليس تقليدا له بل من العمل بخبر الآحاد الذى تعبد الله بالعمل به العباد وهو العمل بالظن المستفاد من أخبار الآحاد.

ومن ادعى وجوب تقليد العامى للمفتى فقد ادعى الباطل وقال قولا لم يأت به نص قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قياس وما كان هكذا فهو باطل لانه قول بلا دليل وكل سائل فى الارض عن نازلة فى دينه فانما يسأل عما حكم الله تعالى به فى هذه النازلة فاذ لا شك فى هذا ففرض عليه أن يسأل اذا سمع فتيا أهذا حكم الله وحكم رسوله صلّى الله عليه وسلم، وهذا لا يعجز عنه من يدرى ما الاسلام، واذا قيل له اذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين: هذا صاحب حديث عن النبى صلّى الله عليه وسلم وهذا صاحب رأى وقياس فليسأل صاحب الحديث ولا يحل له أن يسأل صاحب الرأى أصلا (٢).

وجاء فى الاحكام قال أبو محمد: قال الله تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا}


(١) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.
(٢) الاحكام فى أصول الأحكام للحافظ‍ أبى محمد على بن حزم الأندلسى الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢١ طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٤٧ هـ‍.