للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتعلقة بذلك بعد الفراغ من النصوص الخاصة باباحة المطعوم والمشروب المحرم عند الاضطرار.

وقد نص العلماء الذين كتبوا فى القواعد العامة - فى الفقه الاسلامى - ان الحكمة من اباحة بعض المحرمات فى حالات الاضطرار ترجع - بصفة عامة الى ازالة الضرر عن المكلفين وهو ما عبر عنه علماء الأصول بالقاعدة الشرعية المعروفة الضرر يزال:

وقد قال العلامة جلال الدين السيوطى عن أصل قاعدة: (الضرر يزال) أصلها قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم (لا ضرر ولا ضرر (١).

وقال العلامة ابن نجيم: ويتفرغ عن هذه القاعدة قواعد:

الأولى: الضرورات تبيح المحظورات، ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة واساغة اللقمة بالخمر والتلفظ‍ بكلمة الكفر للاكراه واتلاف المال … ودفع الصائل (٢).

فالأفعال المحرمة التى تبيحها (الضرورة) ترجع الحكمة من تحريمها أما الى المحافظة على نفس الفاعل كما هو الحال فى شرب الخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير اذ أن تناول هذه المحرمات يضر - قبل كل شئ - بصحة الآكل والشارب فهى محرمة لمصلحته لا لمصلحة أحد سواه فكانت الحكمة الالهية اباحة تناولها متى أدى تحريمها عليه الى الحاق ضرر جسيم به يتمثل فى خوف الهلاك أو التلف.

وأما ان ترجع الحكمة من تحريم بعض هذه الأفعال التى من هذا النوع الى مصلحة الغير كما هو الحال فى جرائم الأموال ولكن لما كان الضرر الذى يلحق بهذا الغير من جراء أخذ المال هو فى الواقع ضرر لا يذكر ولا يساوى شيئا بجانب خطر الجوع الذى يهدد المضطر بالهلاك كان من العدل أن يباح تناول طعام الغير لسد رمق الجوع حفظا للمهج وابقاء للأرواح خصوصا اذا ما أخذنا فى الاعتبار أن جمهور الفقهاء على وجوب تعويض صاحب الطعام فى الحال أو فى المآل، لأن الاضطرار لا ينافى الضمان، فهو على ذلك لن يناله ضرر ما، وحتى على القول بعدم التعويض، لأن للمضطر حقا فيما أخذ لاحياء نفسه - فان الضرر الذى سيعود على المالك ضرر يسير محتمل بالقياس الى الخطر الجسيم الذى يهدد نفس المضطر.

وانما لم يؤثر الاضطرار فى جريمة القتل باستثناء قتل الصائل، لأن


(١) الاشباه والنظائر فى فروع الشافعية للامام جلال الدين السيوطى ص ٩٣ طبعة سنة ١٩٥٩ م.
(٢) الاشباه والنظائر لابن نجيم ص ١٠٧ - ١٠٨