شرعا اذ يصير كالواجب المخبر فانه جائز لكونه انتقالا من صواب الى صواب.
فكذلك المقلد اذا قلد مجتهدا ثم انتقل الى تقليد مجتهد آخر فهو كمن شرع فى واحد من أنواع الكفارة ثم ترجح له فعل النوع الآخر منها.
فكما لا حظر عليه فى ذلك كذلك المقلد اذا انتقل وانما الحظر فى ذلك على القول بأن الحق مع واحد والمخالف مخطئ.
وقد قدمنا بطلانه وأيضا فكما جاز للمقلد اختيار ما شاء من المذاهب فى الابتداء بلا خلاف لاصابة المجتهدين استصحبنا الحال بعد تقليده لا يهم اذا لم يتجدد له أيحرم ذلك.
وقيل ليس للمقلد الانتقال بعد التزام مذهب أمام الى مذهب أمام آخر لغير مرجح لأنه اختار المذهب الأول.
ولا يختاره الا وهو أرجح من غيره عنده فليس له الخروج عنه كما ليس للمجتهد الانتقال عن اجتهاده لغير مرجح وهذا مما لا خلاف فيه فى حق المجتهد ولا علة لتحريمه الا كونه خروجا عما قد اختاره لغير مرجح للخروج، فكذلك خروج المقلد لغيره ونسب هذا القول الى الأكثر قالوا: وتجوز ذلك يؤدى الى التهور فى الأعمال الشنيعة وتتبع الشهوات أن يختار لنفسه من الأقوال ما يؤديه الى نيل شهواته لا لكونه دين الله.
ولا قائل بالتنقل فى المذاهب لمجرد اتباع الشهوات قالوا وقد نص علماؤنا على أنه محرم اجماعا ثم أنهم جوزوا الانتقال من مذهب الى مذهب لأمور منها أن يعرف المقلد حجج المختلفين فى ذلك الحكم.
ويكون من أهل النظر فتترجع له حجة مخالف أمامه فحكنئذ يجوز له الانتقال الى ما ترجع له ومنها ان ينكشف له أن أمامه ناقص فى عدالته أو فى اجتهاده عن القدر المعتبر فينتقل عن تقليده الى تقليد الأكمل.
ومنها أن ينتقل الى أفضل من أمامه أو أوسع علما أو أشد ورعا ثم اختلفوا فى الوجه الذى يصير به المقلد ملتزما وفى جميع مسائله لأن التقليد كالاجتهاد.
فكما أن المجتهد متى عزم على العمل بما قد أداه اليه نظره صار ذلك الاجتهاد مذهبا له.
كذلك اختيار المقلد لمذهب عالم هو كالاجتهاد منه فى ذلك الحكم وقيل بالنية (١).
والعمل فمهما لم يعمل فهو غير ملتزم لأنه اذا نوى ولم يعمل كان كالمجتهد الذى لم يجزم بشئ وقيل بل بالنية والقول والعمل لأن التقليد التزام وايجاب على النفس أن لا يعدل عن قول هذا العالم.
والايجاب كالنذر فكما لا ينعقد النذر بمجرد نية ولا عمل لا بد من لفظ كذلك التزام المذهب لا بد من أن يقول قد التزمت قول فلان فى كذا أو مذهب فلان فى مسائله كلها.
أقول هذا كله مما لا دليل عليه فان السلف من الصحابة رضى الله عنهم أنهم لم يلتزموا من سأل واحدا منهم عن حكم واحد وعمل بفتواه أن لا يسأل غيره عن غير ذلك الحكم ولا أنكروا عليه ذلك ولا نقله أحد لا عدل ولا غير عدل.
ولو وقع لنقل واشتهر لأنه مما تقضى العادة بنقله وكذلك فى زمن التابعين وتابعى التابعين الى وقتنا هذا فكان اجماعا على جوازه.
(١) المرجع السابق ج ٢ ص ٢٩٦، ٢٩٧، ٢٩٨ وما بعدهم الطبعة السابقة وبهامشه بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد ومعه الحجج المقنعة فى أحكام صلاة الجمعة لأبى محمد عبد الله بن حميد السالمى طبع مطابع مطبعة الموسوعات بباب الخلق بمصر.