للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجوز فى تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم وان أمكن الاحتياط‍. وفى طلعة الشمس (١).

أنه يجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم فى الأحكام بلا خلاف بين العلماء لأن ذلك ضرب من الأخبار ولا خلاف فى صحته عند الضبط‍ والاتقان.

لكن الخلاف فى جواز افتائه بقول العالم الذى أخذ عنه تلك الفتيا وذلك بأن يسوق الكلام مساق الجزم بالحكم.

فيقول هذا حلال وهذا حرام مثلا فقيل بجواز ذلك مطلقا واشترط‍ بعضهم فى هذا القول.

أن يكون المفتى انما يفتى بنص قول أمامه وقيل لا يجوز مطلقا لأنه ليس أهلا للافتاء وقيل ان كان مطلعا على مأخذ أمامه جاز له ذلك وصح له التخريج على مذهب أمامه وقيل:

انما يجوز للمخرج الافتاء بتخريجه عند عدم المجتهد لا مع وجوده فى تلك الناصية اذ لا يجوز العمل بالاضعف مع امكان الأقوى والصحيح أن فتوى الضعيف بنص عبارة المفتى جائزة فى غيبة المفتى.

وفى حضرته عرف عدلها أو لم يعرف اذا كان متثقا بمن أخذ عنه لأن ذلك ليس بأشد من علمه فاذا جاز له أن يعمل بقول المفتى جاز له أن يفتى به اذ لا فرق بينهما.

أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتى فلا تصح الا من المطلع على المأخذ العارف بالأدلة ومواردها اذ لا يكون التخريج الا لمن يكون من أهل النظر فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم وهو مذهب الامام الكدمى.

وجمهور المشارقة والمغاربة خلافا لمن منع ذلك والله أعلم، ثم قال (٢).

اعلم أن تقليد العامى لعالمين فصاعدا اما أن يكون تقليده لهما فى شئ واحد أو فى شيئين فان كان فى شئ واحد فاما أن يتفق قولهما فى تلك الحادثة واما أن يختلفا فيها فان اختلفا فلا يصح تقليدهما فى حال واحد معا اتفاقا لأن تقليدهما معا فى تلك الحادثة.

وذلك الحال مفض الى التناقض فان أحدهما يجوز له الاقدام مثلا والآخر يمينه فلا يتصور تقليدهما فى ذلك. وان اتفقا فى تلك الحادثة ففى جواز تقليدهما الخلاف الآتى فى تقليد عالمين والصحيح عندنا جوازه لأن الظن بصواب عالمين أقوى منه بصواب عالم واحد.

وأيضا فالاجماع انما كان حجة بسبب اتفاق أقوال العلماء فى حادثة.

فلو لم يصح تقليد عالمين اذا اتفقا لما صح تقليد ثلاثة اتفقوا وكذا الأربعة وكذا الخمسة فيئول ذلك الى ابطال حجية الاجماع رأسا.

وهو خلاف المشروع وان كان تقليده لهما فى شيئين فصاعدا أو فى حالين فالصحيح أيضا عندنا جوازه سواء كان قد التزم مذهب عالم من العلماء أو لم يلتزم فيصبح له أن يأخذ من هذا العالم مسألة من الآخر أخرى.

وهذه المسألة معروفة عندهم بمسألة الانتقال عن مذهب أمامه الى مذهب أمام آخر وحجتنا على جوازه أن كل مجتهد مصيب فلم يحرم علينا فى الشرع الا الانتقال من الصواب الى الخطأ لا من صواب الى صواب فلا مقتضى لتحريمه لا عقلا ولا


(١) طلعة الشمس على الألفية المسماه لشمس الأصول لأبى عبد الله بن محمد بن حميد السالمى ج‍ ٢ ص ٢٩٥ وما بعدها طبع مطابع مطبعة الموسوعات بباب الخلق بمصر سنة ١٣١٧ هـ‍.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٢٩٦ وما بعدها الطبعة السابقة.