الحال في الصلاة بالنسبة إلى المصلى وكذلك تتمثل في إنفاق المال في سبيل الله إذا لا يعرى الحاج عن الإنفاق في سفره وفى ترحاله وما إلى ذلك فمن الفقهاء من غلب مصلحة الأولى على مصلحة الثانية لأنها أقوى المصلحتين وأوثقها صلة بالحج لحصولها بذات الحج بخلاف الثانية فإنها إنما تحصل فيه بطريق العرض وقد تتخلف عنه بدليل أن المكى يصح أن يحج دون أن يتكلف إنفاق مال وبناء على ذلك ذهب إلى عدم جواز الإنابة في الحج كمالك وأصحابه كما لم تجز الإنابة في صلاة الجمعة لمن يكلف الانتقال إليها مالا بسبب بعد محل إقامتها اتفاقا ومن الفقهاء من غلب مصلحته الثانية فأجاز في الحج كما تجوز الإنابة في الزكاة ويستند أرباب هذا الرأى إلى ما ورد من الأحاديث في الحج عن الصبيان والمرضى وجواز أن يحرم عنهم غيرههم ويفعل أفعال الحج عنهم ولا شك أن ذلك من العبادات التي أوردها على الاتباع. وقد اعترض به على هذا الضابط بأنه منقوض بالصوم فإنه عبادة بدنية محضة تتوقف مصلحته على مباشرته من فاعله من الإحساس بحاجة الفقير وجوعه والشعور بنعمة الله على الصائم وما أفاض به عليه من النعم والمال وسلامة جسمه وقلبه. ومع ذلك ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روايات عديدة في الصحيحين وغيرهم ما يدل على جواز النيابة فيه ومن ذلك أيضا ما روته السيدة عائشة - رضى الله عنها - مرفوعا من مات وعليه صوم صام عنه وليه دوفع ذلك الاعتراض بأن ما جاء في السنة من ذلك قصد به إيصال الثواب إلى من فعل له الفعل لا إبراء ذمته مما فرضه الله عليه بدليل أنها وردت في الصوم عمن توفى والكلام في الإنابة التي تبرئ الذمة حال الحياة (١). وبناء على ما تقدم يرى المالكية أن الأصل في الأفعال على الجملة جواز الإنابة فيها ما لم تكن عبادة وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى قد طلبها الشارع من المكلف فإن كانت قربة كان النظر إلى المصلحة التي قصدت من شرعها فإن كانت لمن باشرها خاصة كالصوم وكصلاة لم تجز الإنابة فيها عند مالك لما ذكر لا فرق في ذلك بين حال العذر وعدمه وإن لم تكن المصلحة من شرعها خاصة بمن باشرها بل تتحقق بقطع النظر عمن باشرها كالزكاة والحج أو تتحقق لمن باشرها مصلحة له ترجع إلى تطهير النفس وتهذيبها وخضوعها لما أمر الله به من عبادة فيها صلاح المجتمع كما يتحقق بها شدة حاجة الفقير ومواساته وكالعتق ترجع المصلحة فيه إلى الرقيق بتحرير نفسه وإلى مالكه بحمل نفسه على تسوية عبده به وخضوعها لما أمر به الله من تحرير الرقاب. فقد اختلف في ذلك الفقهاء من المالكية فقالوا إن أخرجها أحد بغير علم من هي عليه أو بغير إذنه في ذلك فإن مقتضى قول الأصحاب في الأضحية يذبحها غير ربها بغير علمه أو بغير إذنه أن الذابح لها إن كان صديق ربها ومن شأنه أن يفعل ذلك بغير إذنه لأنه بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أجزأته الأضحية. مقتضى رأيهم هذا في الأضحية والزكاة مثلا أن الزكاة تجزئه إذا قام بها عمن وجبت عليه من
(١) راجع الفروق للقرافى ودار الشروق لابن الشاط طبعة دار إحياء الكتب الفرق ١١٠ ج ٢ ص ٢٠٢، ص ٢٠٤ والفرق ١٧١ ج ٢ ص ٣٠٤، ص ٢١٨ والفرق ٢.