للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصح فيها النيابة واشترط فيها النية على حسب الخلاف في ذلك بين فقهاء المذهب ومن الأفعال ما ليس بقلبى محض بل هو من أفعال الجوارح أو مركب من عمل القلب والجارحة فالأول كرد العوارى والودائع والمغصوبات وقضاء الديون وتفريق الصدقات والكفارات وتقسيم لحوم الأضاحى وذبح النسك ورد التالف إلى ما كان عليه قبل إتلافه وتسليم اللقطة إلى صاحبها وما إلى ذلك ولا خلاف في صحة الإنابة في هذا النوع لأنها أفعال مالية محضه والثانى وهو ما كان مركبا من عمل القلب والجوارح سواء أدخله المال أم لم يدخله كالصلاة والحج والزكاة وقراءة القرآن والذكر والصدقة وصدقة الفطر فقد اختلف فيه الفقهاء فمنهم من حكى الخلاف في جواز النيابة والإنابة فيها ما عدا الصلاة الحكى الإجماع على عدم جواز النيابة والإنابة فيها ومنهم من أطلق فحكى الخلاف فيها أيضًا ومنهم من ذهب إلى أن الفعل المطلوب شرعا إن اشتمل على مصلحة يتوقف تحققها على مباشرة من طلب منه الفعل له وكان النظر إليها لذات الفاعل بحيث لا تحصل إلا بمباشرته ولا تحصل مصلحة إلا لمن باشره كاليمين فإن مصلحته في دلالته على صدق الحالف وهذه مصلحة لا تحصل بحلف غيره عنه وهذا لا تجوز فيه الإنابة إجماعا. ولذلك لم يكن من السنة أن يحلف أحد عن أحد فيستحق المحلوف عنه يمين الحالف وكالدخول في الإسلام مصلحته إجلال الله وتعظيمه وإظهار العبودية له فلا تحصل ذلك من الشخص إلا بمباشرته نفسه لا بمباشرة غيره وكوطء الزوجة مصلحته الإعفاف وتحصيل الولد الذي ينسب إليه شرعا وذلك لا يحصل بفعل غيره في هذا النوع تفوت المصلحة التي طلبها الشارع بفعل غير من طلب منه الفعل ولا توصف حينئذ بكونها مشروعة في حقه ومن هذا النوع أيضا أيمان اللعان والشهادات إذ المقصود منها الموثوق بصدق المدعى وبعدالة المتحمل وذلك يفوت بأداء الغير وجملة القول في ذلك أن مقصود الشارع من الفعل متى كان يحصل من عمل النائب كما يحصل من عمل المستنيب وهو مما يجوز الإقدام عليه جازت فيه الإنابة وإلا فلا مع قطع النظر عن فاعله وإن اشتمل ذلك الفعل على مصلحة لا يتوقف تحققها على شخص فاعلها بل على حدوث الفعل نفسه صحت فيه الإنابة قطعا بلا خلاف وذلك كرد الودائع والعوارى والمخصوبات وقضاء الديون لأنه المقصود منها انتفاع أهلها بها وذلك حاصل ممن هي عليه بحصولها من نائبه ولذا لم تشترط النية في أكثرها وإن اشتمل على مصلحة يتوقف تحققها على حدوث الفعل من فاعله المطلوب منه ومباشرته فكان النظر فيها لجهة الفعل ولجهة الفاعل وهى مترددة بينهما فقد اختلف الفقهاء في اعتبار أي الناحيتين تغلب على الفعل وينظر إليها فيه وذلك كالحج فإن مصلحته تتمثل في تأديب النفس بمفارقة الأوطان وتهذيبها بالخروج عن المعتاد من المخيط وغيره ولتذكر المعاد والاندراج في الأكفان وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع وإظهار الانقياد من الحاج لما لا يعلم حقيقته كرمى الجمار والسعى بين الصفا والمروة والوقوف في مكان خاص وغير ذلك من المصالح التي لا تحصى ولا تحصل إلا للمباشر له كما هو