للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجمتع أمتى علي الخطأ» وغير ذلك من الألفاظ‍ التى يطول الكلام بذكرها، واستحسنه ابن الحاجب فإنه دليل لا خفاء فيه بوجه، ولا مساغ للارتياب فيه، واستبعد الإمام الرازى صاحب المحصول، كما هو دأبه من التشكيكات فى الأمور الظاهرة، التواتر المعنوى، سيما على حجيته - أى استبعد التواتر عامة، واستبعده على حجية الإجماع خاصة - وقال لا نسلم بلوغ مجموع هذه الآحاد حد التواتر المعنوى، فإن الرواة العشرين أو الألف، لا تبلغ حد التواتر ولا تكفى للتواتر المعنوى، فإنه ليس بمستبعد فى العرف إقدام عشرين على الكذب فى وقعة معينة، بعبارات مختلفة، ولو سلم فتواتره بالمعنى غير مسلم، فإن القدر المشترك هو أن الإجماع حجة، أو ما يلزم ذلك منه، وقد ادعيتم أن حجية الإجماع متواترة من رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ويلزم أن يكون كغزوة بدر، فإنه لو كان كذلك لم يقع الخلاف فيه، وإنكم بعد تصحيح المتن - أى ألفاظ‍ الحديث ونصه - توردون على دلالته على حجية الإجماع، الأسئلة والأجوبة، ولو كان متواترا لأفاد العلم ولغت تلك الأسئلة والأجوبة، وإن ادعيتم أن هذه الأخبار تدل على عصمة الأمة وهى بعينها حجية الإجماع - وقرر الرازى هذه الاعتراضات بعبارات مطلية كما هو دأبه - وهذا الاستبعاد فى بعد بعيد، فإن القدر المشترك المفهوم من هذه الأخبار قطعا هو عصمة الأمة عن الخطأ، ولا شك فيه، واجتماع عشرين من العدول الخيار، بل أزيد، على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، مما لا يتوهم.

وأما قوله: لو كان لكان كغزوة بدر، قلنا نعم إنه كغزوة بدر - كيف وقد عرفت سابقا أنه تواتر فى كل عصر من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم إلى الآن، أى إلى هذا الوقت - تخطئة المخالف للإجماع قطعا، وهل هذا إلا تواتر الحجية.

وأيضا يجوز أن تكون المتواترات مختلفة بحسب قوم دون قوم، فهذا متواتر عند من طالع كثرة الوقائع والأخبار.

وما قال من أنه لو كان متواترا لما وقع الخلاف فيه، قلنا التواتر لا يوجب أن يكون الكل عالمين به، ألا ترى أن أكثر العوام لا يعلمون غزوة بدر أصلا بل التواتر إنما يكون متواترا عند من وصل إليه أخبار تلك الجماعة، وذلك بمطالعة الوقائع والأخبار، والمخالفون لم يطالعوا.

وأيضا الحق إن مخالفتهم كمخالفة السوفسطائية فى القضايا الضرورية الأولية، فكما أن مخالفتهم لا تضر كونها أولية، فكذا مخالفة المخالفين لا تضر التواتر، وأما إيراد الأسئلة والأجوبة فعلى بعض المتون - أى نصوص بعض الأحاديث لا على القدر المشترك المستفاد من الأخبار - فافهم ولا تزل فانه مزلة (١)».


(١) ص ٢١٥، ٢١٦ من مسلم الثبوت وشرحه ج‍ ٢ وقد نقل مثله الإسنوى فى شرحه ص ٨٧٥ ج‍ ٣.