مضطرين إلى العلم بشجاعة على، وسخاوة حاتم، وفقه الشافعى، وخطابة الحجاج، وميل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة من نسائه، وتعظيمه صحابته وثنائه عليهم، وإن لم تكن آحاد الأخبار فيها متواترة، بل يجوز الكذب على كل واحد منها لو جردنا النظر إليه.
ولا يجوز على المجموع، وذلك يشبه ما يعلم من مجموع قرائن آحادها لا ينفك عن الاحتمال ولكن ينتفى الاحتمال عن مجموعها حتى يحصل العلم الضرورى.
الطريق الثانى: ألا ندعى علم الاضطرار بل علم الاستدلال من وجهين:
الأول أن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين، يتمسكون بها فى إثبات الإجماع ولا يظهر أحد فيها خلافا وإنكارا، إلى زمان النظام.
ويستحيل فى مستقر العادة توافق الأمم فى أعصار متكررة على التسليم بما لم تقم الحجة بصحته مع اختلاف الطباع وتفاوت الهمم والمذاهب فى الرد والقبول.
ولذلك لم ينفك حكم ثبت بأخبار الآحاد عن خلاف مخالف وإبداء تردد فيه.
الوجه الثانى: إن المحتجين بهذه الأخبار أثبتوا أنها أصلا مقطوعا به وهو الإجماع الذى يحكم به على كتاب الله تعالى، وعلى السنة المتواترة، ويستحيل فى العادة التسليم بخبر يرفع به الكتاب المقطوع به إلا إذا استند إلى مستند مقطوع به، فأما رفع المقطوع بما ليس بمقطوع فليس معلوما حتى لا يتعجب متعجب ولا يقول قائل:
كيف ترفعون الكتاب القاطع بإجماع مستند إلى خبر غير معلوم الصحة وكيف تذهل عنه جميع الأمة إلى زمان النظام، فتختص بالتنبه له (١).
والذى قرره الغزالى من الاستدلال بالأحاديث المذكورة على عصمة الأمة من الخطأ، هو استدلال بالتواتر المعنوى فى هذه الأحاديث وإن لم تتواتر آحادها.
وقد استدل به صاحب مسلم الثبوب وشرحه، ثم ساق استبعاد الإمام الرازى لذلك مشفوعا بالرد عليه، وهذا هو نص كلامهما مع تصرف يسير للتوضيح:
«واستدل ثانيا بقوله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم: «لا تجتمع أمتى على الضلال»، فإنه يفيد عصمة الأمة عن الخطأ. فإنه متواتر المعنى، فإنه قد ورد بألفاظ مختلفة يفيد كلها العصمة، وبلغت رواة تلك الألفاظ حد التواتر، وتلك الألفاظ نحو «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن»، ونحو «من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام»، ونحو «عليكم بالجماعة»، ونحو «الزموا الجماعة» ونحو «من فارق الجماعة مات ميتة الجاهلية»، ونحو «عليكم بالسواد الأعظم» ونحو «لا
(١) المستصفى للغزالى ص ١٧٥، ١٧٦ ج ١ وقد جاء مثله فى ص ٣١٣ ج ١ وما بعدها من الأحكام للآمدى ومثله أيضا فى روضة الناظر للحنابلة ص ٣٣٨ ج ١ وما بعدها.