للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلق الغزالى على مسلك الاستدلال بالآيات أيضا بقوله: «فهذه كلها ظواهر لا تنص على الغرض، بل لا تدل أيضا دلالة الظواهر (١)».

المسلك الثانى: الاستدلال بالسنة:

قال الغزالى فى المستصفى:

المسلك الثانى: وهو الأقوى - التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتى على الخطأ» وهذا من حيث اللفظ‍ أقوى وأدل على المقصود، ولكن ليس بالمتواتر، كالكتاب، والكتاب متواتر لكن ليس بنص، فطريق تقرير الدليل أن نقول: تظاهرت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفاظ‍ مختلفة مع اتفاق المعنى فى عصمة هذه الأمة من الخطأ، واشتهر على لسان المرموقين والثقات من الصحابة كعمر وابن مسعود وأبى سعيد الخدرى، وأنس بن مالك، وابن عمر، وأبى هريرة، وحذيفة بن اليمان، وغيرهم ممن يطول ذكره من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتى على الضلالة» و «لم يكن الله ليجمع أمتى على الضلالة» و «سألت الله تعالى ألا يجمع أمتى على الضلالة فأعطانيها» و «من سره أن يسكن بحبوحة الجنة - فيلزم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط‍ من ورائهم» و «أن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد».

وقوله صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة، ولا يبالى الله بشذوذ من شذ» و «ولا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم».

وروى: «لا يضرهم خلاف من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء».

و «من خرج عن للجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» و «من فارق الجماعة ومات، فميتته جاهلية (٢)».

وهذه الأخبار لم تزل ظاهرة فى الصحابة والتابعين إلى زماننا هذا لم يدفعها أحد من أهل النقل من سلف الأمة وخلفها بل هى مقبولة من موافقى الأمة ومخالفيها، ولم تزل الأمة تحتج بها فى أصول الدين وفروعه، فإن قيل فيما وجه الحجة ودعوى التواتر فى آحاد هذه الأخبار غير ممكن، ونقل الآحاد لا يفيد العلم؟

قلنا فى تقرير وجه الحجة طريقان:

أحدهما: أن ندعى العلم الضرورى بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عظم شأن هذه الأمة، وأخبر عن عصمتها عن الخطأ بمجموع هذه الأخبار المتفرقة، وأن لم تتواتر آحادها، وبمثل ذلك نجد أنفسنا


(١) المستصفى ص ١٧٥ ج‍ ١.
(٢) خرجت هذه الأحاديث وبينت درجاتها فى كتاب هداية العقول إلى غاية السول فى أصول الزيدية للحسين بن القاسم حينما استدل بها على حجية الإجماع وذلك فى صفحة ٥٠٣ ج‍ ٢ وما بعدها. كما خرج الكثير منها شارح روضة الناظر فى أصول الحنابلة ص ٣٣٨ ج‍ ١ وما بعدها فمن شاء فليرجع اليهما.