للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (١).

والآية اللاحقة بذلك هى قوله تعالى:

«وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ، إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» (٢).

فالكلام فى هذه الآيات إنما هو مع أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى عبر فى إذهاب الرجس بقوله:

«إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» فأتى بضمير الخطاب للذكور فى لفظ‍ «عنكم» وأتى بلفظ‍ «أهل البيت» فيفهم من ذلك أنه أراد أن يعمم هذا الحكم وهو حكم إرادة التطهير فى أهل البيت رجالا ونساء على سنة تغليب المذكر إذا اجتمع رجال ونساء، فغاية ما يدل عليه ذلك هو اشتراك قرابة النبى وأزواجه فى هذا التطهير المراد، فإذا كان هذا يدل على عصمتهم وحجية إجماعهم فقولوا بذلك أيضا فى الأزواج كما قلتم به فى القرابة والعترة وأنتم لم تقولوا به، فبطلت حجتكم.

ثانيا: معنى الرجس الذنب، فغاية ما يلزم العصمة عن الذنوب لا العصمة عن الخطأ فى الاجتهاد، كيف والمجتهد المخطئ يؤجر ويثاب، فكيف يكون ما يؤجر عليه الإنسان ويثاب من باب الرجس.

ويحتمل أن يكون المراد من الرجس الشرك أو الإثم، أو الأهواء، أو البدع، أو يكون إذهاب الرجس بما ساق إليهم من تشريع، فلا يلزم منه العصمة من الخطأ فى الاجتهاد أيضا.

وقد كثر الجدال فى المعنى المراد من هذه الآية، وحاول كل فريق أن يقوى دلالتها على ما ذهب إليه أو على نفى ما ذهب إليه الآخرون، ولا يتسع المجال لذكر هذا كله، فمن شاء فليرجع فيه إلى كتب الفريقين، مثل «هداية العقول» فى أصول الزيدية، وشرح مسلم الثبوت، فكل منهما يمثل وجهة نظره فى استقصاء، ويرد على ما يناقشه به الآخرون (٣).

وكذلك الكلام فى باقى الأدلة التى استدلوا بها من الكتاب.

أما استدلالهم بالأحاديث فقد رد عليهم فيه بأن هذه الأحاديث آحاد، وخبر الواحد ليس بحجة فى مثل هذا ولكنهم لا يقبلون هذا الرد، فإن الأحاديث التى أتوا بها متواترة، إما لفظا بذكر الاعتصام بآل البيت نصا، أو على سبيل التواتر المعنوى، كما قال الجمهور فى أحاديث عصمة الأمة عن الخطأ والضلال.

وقد عارضهم الجمهور بمثل «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وبما تواتر عن الصحابة والتابعين من أنهم كانوا يجتهدون ويفتون بخلاف ما أفتى به أهل


(١) السورة نفسها: ٣٣.
(٢) السورة نفسها: ٣٤.
(٣) راجع هداية العقول ابتداء من ص ٥٠٩ ج‍ ١ فما بعدها، ص ٢٢٨ ج‍ ٢ من شرح مسلم الثبوت فما بعدها.