للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالخبر أولى عند جمهور أصحابنا، وقد صار جماعة إلى أنه أولى من الخبر بناء منهم على أنه إجماع وليس بصحيح، لأن المشهود له بالعصمة إجماع كل الأمة لا بعضها (١).

ويرى ابن الحاجب المالكى أن الصحيح التعميم، أى القول بكونه حجة مطلقا، لأن العادة جرت بعدم إجماع هذا الجمع الكثير من العلماء المحصورين الأحقين بالاجتهاد إلا عن راجح (٢).

وقد قيد ابن الحاجب إجماع أهل المدينة الذى فيه الكلام بأنه إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين.

ويقول الغزالى فى الرد على ما ذهب إليه مالك: «إن أراد مالك أن المدينة هى التى جمعت فى زمن الصحابة أهل الحل والعقد، فمسلم له ذلك لو جمعت، وليس ذلك بمسلم بل لم تجمع المدينة جميع العلماء لا قبل الهجرة ولا بعدها، بل ما زالوا متفرقين فى الأسفار والغزوات والأمصار.

وإن أراد أن اتفاقهم فى قول أو عمل يدل على أنهم استندوا إلى سماع قاطع لأن الوحى الناسخ نزل فيهم فلا تشذ عنهم مدارك الشريعة، فهذا تحكم، إذ لا يستحيل أن يسمع غيرهم حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر أو فى المدينة لكن يخرج منها قبل نقله، وربما احتجوا بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها، وذلك يدل على فضيلتهم وكثرة ثوابهم لسكناهم المدينة، ولا يدل على تخصيص الإجماع بهم» (٣).

ونقل صاحب طلعة الشمس فى أصول الإباضية عن الحاكم قوله:

«والمشهور عن مالك أنه رد الخبر بفعل أهل المدينة حتى قال ابن ذؤيب: يستتاب مالك» (٤).

يريد أن مالكا روى إجماع أهل المدينة على أن البيع بشرط‍ البراءة لا يجوز ولا يبرئ من العيب أصلا علمه أو جهله، ثم خالفهم، فلو أخذناه بمذهبه لقلنا له:

خالفت الإجماع ومن خالف الإجماع يستتاب.

وهذه المخالفة من مالك لما عليه العمل والإجماع من أهل المدينة، يستدل بها من يؤول مذهب مالك فى ذلك.

ويقول: لو كان يرى أن إجماعهم حجة لم تسعه مخالفته (٥).

بل كل ما هنالك أنه يرجح نقلهم على نقل غيرهم، وهذا ما يشاركه فيه الشافعى، فقد أشار إلى هذا فى القديم، ورجح رواية أهل المدينة، وحكى عنه ذلك يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعى: إذا وجدت متقدمى أهل المدينة على شئ فلا


(١) إرشاد الفحول للشوكانى ص ٧٨.
(٢) ص ٣٥ من شرح العضد على مختصر ابن الحاجب ج‍ ٢.
(٣) ص ١٨٧ ج‍ ١ من المستصفى مع يسير جدا من التصرف.
(٤) ص ٨٠ ج‍ ٢ من طلعة الشمس.
(٥) ص ٧٨ من ارشاد الفحول.