وكمال في الدين والخلق والإنسانية وخوف الله تعالى في التعامل والسلوك العام حتى إن القضاء في مشاكلهم كان أشبه بالقتوى تنير الطريق وتحدد الحكم فيلتزمه الجميع ويقفون عند حدوده وينفذونه طواعية واختيارا.
وفى السيرة أن بعضا من الأنواء قد قارف إثما دون أن يطلع أو يعلم أحد بما اقترف وكان في عافية وأمن من أن تمتد إليه يد الحاكم بالعقاب والحد .. ولكنه يخشى الله ويتقيه ويعلم أنه محاسبه غدا .. فيذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعترف أمامه بذنبه ويطلب تطهيره وإقامة حد الله عليه .. وهو يعلم يقينا أن الحد في ذنبه موته - رجما بالحجارة - أنظر في السيرة قصص: (ماعز الأسلمى) - (والغامدية) (وامرأة العسيف).
هذا شأن الإسلام في الحكم وموقفه من الحاكم والمحكوم .. واضح لا خفاء فيه ومحدد لا اشتباه فيه.
ولعل هذا ما حدا بكثير من العلماء والمتكلمين إلى عدم تحديد أعباء وواجبات الخليفة نحو الأمة .. وتحديد حقوقه على الأمة لأن الطريق في ذلك واضح مستقيم.
وقد حددته وأوضحته النصوص العامة والأحكام المنظمة لسياسة الحكم في الإسلام .. وأيضا فهم قد عرفوا الخلافة تعريفا دقيقا كاد ما أن يتفقوا على ألفاظه فقالوا: إن الخلافة - نيابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حراسة الدين والمحافظة عليه وسياسة المسلمين في شئون الدين والدنيا بأحكام الدين ومبادئه .. وهذا قول عام جامع لما ذكرنا ..
وفى الكلام على البيعة ومعناها في مفهوم الشرع واصطلاحه وما تنطوى عليه أنها عهد وميثاق بين الخليفة وجماعة المسلمين يعطى كل من الطرفين لصاحبه ما عنده له - في هذا الكلام إشارة إلى حقوق كل منهما وواجباته ..
ويبين القاضي أبو الحسن الماوردى واجبات وأعباء الخليفة ويحصرها في عشرة أمور على الترتيب الآتي:
أولا: حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة - فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب .. وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدين محروسا من خلل وتكون الأمة ممنوعة من زلل.
ثانيا: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم ..
ثالثا: حماية البيضة والذب عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.
رابعا: إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك .. وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك ..
خامسا: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظهر الأعداء بقوة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيها المسلم أو معاهد دما ..
سادسا: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله ..
سابعا: جباية الفئ والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادًا من غير خوف ولا عسف.
ثامنا: تقدير العطايا وما يستحق في بيت