ومسئول عما استرعاه الله من مصالح المسلمين وعليه أن يقوم عليها بالحق والعدل ويسير فيها في هدى من مبادئ الدين وأحكامه ..
فإذا جار أو انحرف فقد خان الأمانة وخان الله ورسوله وجماعة المسلمين .. يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ … } ويقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.
وليس من غاية الإسلام أن يخلق مجتمعا على أي وضع ويقيم في هذا المجتمع حكمًا على أية صورة وإنما غايته أن يقيم مجتمعا سليما معافى من الأدواء والأمراض الاجتماعية التي تنتاب المجتمعات فتصيبها بالتفكك والانحلال والدمار - أمراض الظلم والطغيان والفساد الخلقى والشهوة الجامحة المدمرة .. مجتمعا مترابطا بمشاعر الأخوة والتراحم والتضامن والتكافل .. وأن يقيم في هذا المجتمع حكمًا صالحا رشيدا رحمما يتجاوب فيه الحاكم مع أفراد المجتمع في المشاعر الكريمة نحو الدين وتقديسه والاعتزاز به ويأخذ أيديهم إلى العمل الجاد المثمر في سبيل إسعادهم والنهوض بمصالحهم ..
ومن مبادئ الإسلام في نظامه السياسى مسئولية الحاكم كما يقررها الحديث الوارد في الصحيحين: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته .. والمرأة راعية فى قال زوجها وهى مسئولة عن رعيتها والولد راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، والعبد راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته .. ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ..
هذا موقف الإسلام من الحاكم والحكام .. أما موقفه من المحكومين والأمة بصفة عامة فهو نفس الوضع .. طالب كل فرد مكلف في جماعة المسلمين بأن يخشى الله تعالى ويتقيه في كل أعماله وأحواله في السر وفى العلن فيما بينه وبين نفسه وفيما بينه وبين الله تعالى وفيما بينه وبين الناس حاكمين أو محكومين ..
في الحديث: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبها" .. ألا وأن لكل ملك حمى .. ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه .. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .. ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه .. ".
وجعل الفرد مسئولا ومحاسبا عن كل انحراف أو خروج عن حادة الطريق .. فيلزم أن يكون في حياته الخاصة والعامة مستقيما على الجادة وعليه أن يدين نفسه قبل أن يدينه الغير حاكما أو محكومًا .. وأوجب عليه التعاون والتكافل في البر والتقوى والصالح العام .. والإِخلاص والنصح والإرشاد والتقويم والتزام حدود الدين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة .. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وهذا النهج من شأنه أن يخفص كثيرا من أعباء الحاكم ويجعل مهمله في خدمة المجتمع والمحافظة على الدين وتطبيق أحكامه سهلة وميسرة إذ يكون على رأس مجتمع فاضل يعرف الحق والواجب ويلتزم بهما ..
تحدثنا كتب السيرة النبوية عن المجتمع الإسلامي الأول وتبين ما كان علمه من مثالية