فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق غير أنه مقدر بالزمان عند محمد رحمه الله تعالى اعتبارا بحد الزنا. وهذا لان التأخير يتحقق بمضى الزمان. والرائحة قد تكون من غيره .. وعندهما يقدر بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه - ثلثوه ومزمزوه واستنكهوه. فان وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه ولان قيام الأثر من اقوى الدلائل على القرب وانما يصار الى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل وانما يشتبه على الجهال .. واما الاقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد رحمه الله تعالى كما فى حد الزنا .. وعندهما: لا يقام الحد الا عند قيام الرائحة لان حد الشرب ثبت باجماع الصحابة رضى الله عنهم. ولا اجماع الا برأى ابن مسعود. وقد اشترط قيام الرائحة على ما روينا .. ورجح فى غاية البيان قول محمد فقال: والمذهب عندى فى الاقرار ما قاله محمد لان حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنكره بعض أهل العلم .. قال:
ابو عبيد: لان الاصل فى الحدود اذا جاء صاحبها مقرا بها. الرد والاعراض وعدم الاستماع احتيالا للدرء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اقر ماعز. فكيف يأمر ابن مسعود بالثلثلة والمزمزة والاستنكاه حتى يظهر سكره؟ فلو صح فتأويله انه جاء فى رجل مولع بالشراب مدمن له فاستجازه لذلك. وفى فتح القدير: قول محمد هو الصحيح - والحاصل ان المذهب قول ابى حنيفة وابى يوسف الا أن قول محمد ارجح من جهة المعنى .. واما اذا رجع عن الاقرار فلانه خالص حق الله تعالى فيعمل الرجوع فيه كسائر الحدود. وهذا لانه يحتمل ان يكون صادقا فصارت شبهة. والحدود تدرأ بالشبهات واما اذا أقر وهو سكران فلزيادة احتمال الكذب فى اقراره فيحتال للدرء لانه خالص حق الله تعالى واشار الى ان كل حد خالص لله تعالى فلا يصح اقرار السكران به. وان ما لم يكن خالصا لله تعالى فانه يصح اقراره به كحد القذف لان فيه حق العبد. والسكران فيه كالصاحى عقوبة كما فى سائر التصرفات.
والحاصل أن اقرار السكران بالحدود لا يصح الا حد القذف .. واقراره بسبب القصاص وسائر الحقوق من المال والطلاق وغيرها صحيح لانها لا تقبل الرجوع .. ولذا اذا اقر بالسرقة ولم يقطع لسكره اخذ منه المال. وصار ضامنا له. واما ارتداده فليس بصحيح فلا تبين منه امرأته لان الكفر من باب الاعتقاد فلا يتحقق مع السكر .. قال فى فتح القدير: هذا فى الحكم اما فيما بينه وبين الله تعالى. فان كان فى الواقع قصد ان يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر. والا فلا .. وفى التبيين وعند ابى يوسف. ارتداده كفر ذكره فى الذخيرة: واما اذا أسلم ينبغى ان يصح كاسلام المكره .. وفى فتح القدير أن اسلامه غير صحيح.
وقيد بالاقرار لانهم لو شهدوا عليه بالشرب وهو سكران قبلت شهادتهم. وكذا لو شهدوا عليه بالزنا وهو سكران. كما اذا زنى وهو سكران. وكذا بالسرقة وهو سكران تقبل. ويحد بعد الصحو ويقطع.
لأن الانشاء لا يحتمل الكذب فيعتبر فعله فيما ينفذ من غير قصد واعتقاد .. وهذا كله اذا سكر من المحرم. واما اذا سكر بالمباح كشرب