للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملك وهو اليد، فإذا أقر به لغيره فكأنه ملكه منه، ولو قتله المولى صار مختارا للفداء لأنه فوت الدفع بالقتل.

ولو قتله أجنبى، فإن كان عمدا بطلت الجناية، وللولى أن يقتله قصاصا، لأنه فات محل الدفع، لا إلى خلف هو مال فتبطل الجناية. وإن كان خطأ يأخذ المولى القيمة ويدفعها إلى ولى الجناية، ولا يخير المولى فى القيمة.

ولو عيبه المولى بأن قطع يده أو فقأ عينه أو ضربه ضربا أثر فيه ونقصه وهو عالم بالجناية صار مختارا للفداء، لأنه بالنقصان حبس عن المجنى عليه جزءا من العبد وحبس الكل دليل اختيار الفداء، لأنه دليل إمساك العبد لنفسه فكذا حبس الجزء، لأن حكم الجزء حكم الكل.

ولو ضرب المولى عينه فابيضت وهو عالم بالجناية حتى جعل مختارا للفداء ثم ذهب البياض، فإن ذهب قبل أن يخاصم فيه بطل الاختيار ويؤمر بالدفع أو الفداء، لأنه إنما جعل مختارا لأجل النقصان، وقد زال، فجعل كأن ذلك لم يكن.

وإن استخدمه وهو عالم بالجناية لا يصير مختارا للفداء، لأنه لا يفوت الدفع بالاستخدام لقيام الملك، وكذا الاستخدام لا يختص بالملك.

ولو كان الجانى أمة فوطئها المولى. فإن كانت بكرا فقد صار مختارا للفداء لأنه فوت جزءا منها حقيقة بإزالة البكارة. وإن كانت ثيبا فإن علقت منه صار مختارا للفداء وإن لم تعلق لا يصير مختارا وهذا جواب ظاهر الرواية.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يصير مختارا للفداء سواء علقت منه أو لم تعلق، لأن رجل الوط‍ ء لا بد له من الملك أما ملك النكاح أو ملك اليمين ولم يوجد هاهنا ملك النكاح فتعين ملك اليمين لثبوت الحل، فكان إقدامه على الوط‍ ء دليلا على إمساكها لنفسه، فكان دليل الاختيار.

ووجه ظاهر الرواية أن الوط‍ ء ليس إلا استيفاء منفعة البضع وأنه لا يوجب نقصان العين حقيقة، ولو أذن لعبده فى التجارة فركبه دين لم يصر المولى مختارا للفداء وعليه قيمته (١)

ثم جميع ما ذكر مما يصير به المولى مختارا للفداء اذا فعله وهو عالم بالجناية. فإن كان لم يعلم بالجناية لم يكن مختارا للفداء، سواء كانت الجناية على النفس أو على ما دون النفس. لأن الاختيار هاهنا اختيار الإيثار وهو لا يتحقق بدون العلم بما يختاره وهو الفداء عن الجناية، واختيار الفداء عن الجناية اختيار الإيثار واختيار الإيثار بدون العلم بالجناية محال.

ثم الجناية إن كانت على النفس فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الدية. وإن كانت على مادون النفس فعليه الأقل من قيمته ومن الأرش، لأنه فوت الدفع المستحق من غير اختيار الفداء فيضمن القيمة.

ولو باعه بيعا باتا وهو لا يعلم بالجناية فلم يخاصم فيها حتى رد العبد إليه بعيب بقضاء القاضى أو بخيار


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٧ ص ٢٦٦ الطبعة السابقة.