ولو أعتقه أو دبره أو كانت أمة فاستولدها وهو عالم بالجناية صار مختارا للفداء، لأن هذه التصرفات تفوت الدفع إذ الدفع تمليك، وهذه التصرفات تمنع من التمليك فكانت اختيارا للفداء.
ولو كانت الجناية فيما دون النفس فأمر المولى المجنى عليه بإعتاقه وهو عالم بالجناية صار المولى مختارا للفداء، لأن إعتاقه بأمره مضاف إليه فكان دليل اختيار الفداء كما لو أعتق بنفسه.
ولو قال لعبده إن قتلت فلانا فأنت حر فقتله صار مختارا للفداء عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى، لأن المعلق بالشرط يصير منجزا عند وجود الشرط بتخير مبتدء كأنه قال له بعد وجود الجناية أنت حر.
وعند زفر رحمه الله تعالى: لا يصير مختارا للفداء، لأن العبد إنما صار معتقا بالقول السابق وهو قوله: أنت حر ولا جناية عند ذلك وعند وجود الجناية لا إعتاق فكيف يصير مختارا للفداء.
ولو أخبر المولى إنسان أن عبده قد جنى فأعتقه فإن صدقه ثم أعتقه صار مختارا للفداء بلا خلاف، وان كذبه فأعتقه لا يصير مختارا للفداء عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، ما لم يكن المخير رجلان أو رجل واحد عدل.
وعندهما يصير مختارا للفداء ولا يشترط العدد فى المخير ولا عدالته.
ولو (١) كاتبه وهو عالم بالجناية صار مختارا اختيارا على التوقف لفوات الدفع فى الحال على التوقف، فإن أدى بدل الكتابة فعتق تقرر الاختيار، وإن عجز ورد فى الرق ينظر فى ذلك:
إن خوصم قبل أن يعجز فيقضى بالدية ثم عجز لا يرتفع القضاء. وإن لم يخاصم حتى عجز كان للمولى أن يدفعه، لأن الدفع كأن لم يثبت على القطع والبتات، لاحتمال أن يعجز، فان عجز جعل كأن الكتابة لم تكن، فكان له أن يدفعه.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يصير مختارا بنفس الكتابة لتعذر الدفع بنفسها لزوال يده عنه ثم عادت إليه بسبب جديد وهو العجز. ولو كاتبة كتابة فاسدة كان ذلك اختيارا منه للفداء.
أما الإجارة والرهن والتزويج، بأن زوج العبد الجانى امرأة أو زوج الأمة الجانية إنسانا فهل يكون ذلك اختيارا للفداء؟
ذكر فى ظاهر الرواية أنه لا يكون اختيارا، لأن الدفع لم يفت، لأن الملك قائم فكان الدفع ممكنا فى الجملة.
وذكر الطحاوى رحمه الله تعالى: أنه يكون اختيارا، لأن الدفع للحال متعذر فأشبه البيع والتزويج تعييب فأشبه التعييب حقيقة.
ولو أقر به لغيره لا يكون مختارا للفداء، كذا ذكر فى الأصل، لأن الإقرار به لغيره لا يفوت الدفع، لأن المقر مخاطب بالدفع والفداء.
وذكر الكرخى رحمه الله تعالى فى مختصره أنه يكون مختارا، لأن إقراره به لغيره فى معنى التمليك منه إذ العبد ملكه من حيث الظاهر لوجود دليل
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج ٧ ص ٢٦٥ وما بعدها الطبعة السابقة.