وجاء في روضة الناظر أنه يجوز الأمر من الله سبحانه وتعالى لما في معلومه أن المكلف لا يتمكن من فعله، وعند المعتزلة: لا يجوز ذلك إلا أن يكون تعلقه بشرط تحققه مجهولا عند الآمر، أما إذا كان معلوما أنه لا يتحقق الشرط فلا يصح الأمر به لأن الأمر طلب، فكيف يطلب الحكيم ما يعلم امتناعه، وكيف يقول السيد لعبده خط ثوبى إن صعدت السماء وبهذا يفارق أمر الجاهل لأن من لا يعرف عجز غيره عن القيام يتصور أن يطلبه منه أما إذا علم امتناعه فلا يكون طالبا وإذا لم يكن آمرا، ولأن إثبات الأمر بشرط يفضى إلى أن يكون وجود الشئ مشروطا بما يوجد بعده، والشرط ينبغى أن يقارن أو يتقدم، أما أن يتأخر عن المشروط فمحال، وهذه المسألة تنبنى على النسخ قبل التمكن، وإن فيه فائدة على ما مضى. ويدل لنا الإجماع على أن الصبى إذا بلغ يجب عليه أن يعلم ويعتقد أنه مأمور بشرائع الإِسلام منهى عن الزنا والسرقة. ويثاب على العزم على امتثال المأمورات وترك المنهيات. ويكون متقربا بذلك وإن لم يحضر وقت عبادة ولا يمكن من زنا ولا سرقة، وعلم بأن الله تعالى عالم بعاقبة الأمر لا ينفى عنه ذلك وإن احتمل أن لا يكون مأمورا منهيا لعدم مساعدة التمكن يجب أن يشك في كونه مأمورا منهيا وفى كونه متقربا؛ إذ لا خلاف في أن العزم على امتثال ما ليس بمأمور وترك ما ليس بمنهى ليس بقربة، وهذا لا يتيقن أنه مأمور ولا متقرب، وهذا خلاف الإجماع. دليل ثان: الإِجماع على أن صلاة الفرض لا تصح إلا بنية الفرضية، ولا تقبل نية الفرضية إلا بعد معرفة الفرضية، والعبد ينوى في أول الوقت فرض الظهر، وربما مات في أثنائها، فتبين عندهم أنها لم تكن فرضا، فليكن شاكا في الفرضية، فتمتنع النية لأنها لا تتوجه إلا إلى معلوم. فإن قيل فإذا مات في أثنائها فكيف يقال إن الأربع كانت فريضة على الميت؟ قلنا: هو قاطع بأنها فرض عليه لكن بشرط البقاء، والأمر بشرط أمر في الحال وليس بمعلق .. هذا الأمر من عزم عليه يثاب ثواب العزم على الواجبات، فإن قول السيد لعبده صم غدا أمر في الحال بصوم الغد، لا إنه أمر في الغد، ولو قال فرضت عليك بشرط بقائك فهو فارض في الحال لكن بشرط، ولو قال لوكيله: بع دارى في رأس الشهر كان وكيلا في الحال يصح أن يقال وكله ويصح عزله، وإذا قال وكلنى وعزلنى كان صادقا، فإن مات قبل رأس الشهر لم يتبين كذبه، بخلاف ما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت وكيلى فإنه لا يكون وكيلا في الحال. الدليل الثالث: الإِجماع على لزوم الشروع في صوم رمضان، فإن كان الموت يتبين به عدم الأمر والموت مجوز فيصير مشكوكا فيه فكيف تلزمه العبادة بالشك؟ قالوا لأن الظاهر بقاؤه، والحاصل يستصحب، والاستصحاب أصل تنبنى عليه الأمور، كما أن من أقبل عليه سبع لا يقبح الهرب، وإن كان من المحتمل موت السبع دونه ولو فتح هذا الباب لم يتصور امتثال أمر. قلنا: هذا يلزمكم ومذهبكم يفضى إليه، وما أفضى إليه المحال محال، وأما الهرب فحزم وأخذ بالأسوأ من الأحوال، ويكفى فيه الاحتمال البعيد والشك، فإن من شك في سبع في الطريق أو لص حسن منه الاحتراز عنه. وأما الوجوب فلا يثبت بالشك والاحتمال بل ينبغى أن من أعرض عن الصوم لم يكن عاصيا لأنه أخذ بالاحتمال الآخر. وقولهم الأمر طلب وطلب المستحيل من الحكيم محال. قلنا الأمر إنما هو قول الأعلى لمن دونه افعل مع تجردها من القرائن، وهذا مقصور على علمه بالاستحالة، وعلى أنا لو سلمنا أن الأمر طلب