للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوجب تقديم ما تعلق بالعين كحق المرتهن على سائر الدائنين. فيجبر بائع على تسليم مبيع ثم يجبر مشتر على تسليم ثمنه الحالّ إن كان معه في المجلس. وإن كان الثمن غائبا عن المجلس في البلد حجر القاضي على المشترى في المبيع وفى بقية ماله من غير فسخ للبيع حتى يحضر الثمن كله ويسلمه للبائع، لئلا يتصرف في ماله تصرفا يضر البائع. وكذلك الحكم إن كان مال المشترى خارج البلد دون مسافة القصر، لأنه في حكم البلد.

أما إن كان ماله ببلد بعيد مسافة قصر فصاعدا أو كان المشترى معسرا ولو ببعض الثمن فللبائع الفسخ في الحال ولو بدون حكم قاض، لأن في التأخير ضررا عليه؛ وله الرجوع في عين ماله بعد الفسخ كمفلس باع له البائع جاهلًا بالحجر عليه.

وإن كان المشترى موسرا مماطلا بالثمن فليس للبائع الفسخ. لأن ضرره يزول بحجر القاضي عليه ووفائه من ماله. وقال الشيخ -ابن تيمية-: للبائع الفسخ إذا كان المشترى مُماطلا دفعا لضرر المخاصمة قال في الإنصاف: وهو الصواب. وقال صاحب كشاف القناع: خصوصا في زماننا هذا، هذا إذا كان الثمن حالا. أما إذا كان مؤجلا فلا خلاف أيضا أنه ليس للبائع إمساك المبيع لاستيفاء الثمن، فيجبر البائع على تسليم المبيع ولا يطالب بالثمن حتى يجيء أجله (١).

وإذا وجد المشترى البهيمة المشتراة مصراة -أي محبوسة اللبن- ولم يعلم بذلك حال الشراء ثبت له الخيار ثلاثة أيام منذ علم بين إمساكها بلا أرش وبين ردها مع صاع من تمر لقوله عليه الصلاة والسلام: "من اشترى مُصَرَّاة فهو منها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها ومعها صاعا من تمر" (٢).

وكذلك يثبت للمشترى الخيار بين إمساك المبيع وبين رده إذا وجد بالمبيع تدليسا يزيد به الثمن أو وجد به عيبا إلا أنه إذا أمسك المبيع في خيار التدليس أمسكه مجانا بدون أرش. أما في خيار العيب فيمسكه مع أرش العيب على البائع، سواء رضى البائع بدفع الأرش أو سخطه. وذلك ما لم يفض الإمساك مع الأرش إلى ربا كشراء حلي بزنته دراهم أو شراء قفيز مما يجرى فيها الربا بمثله ثم وجد معيبا قله الرد أو الإمساك مجانًا من غير أرش، لأن أخذ الأرش مع الإمساك يؤدى إلى ربا الفضل (٣).

مصطلح "بيع" و "خيار" والوكيل بالبيع يجب عليه إمساك المبيع وحبسه عن المشترى فلا يسلمه له قبل قبض ثمنه حيث جاز له قبض الثمن، لأنه إذا لم يمسكه لذلك يعد مُفرِّطا فيضمنه. وكذا وكيل في شراء وقبض مبيع لا يسلم الثمن حتى يتسلم المبيع. فإن أخر الوكيل تسليم الثمن وأمسكه بلا عذر ضمنه إذا تلف، لتفريطه بإمساكه (٤).


(١) كشاف القناع عن متن الإقناع لابن إدريس وبهامشه شرح المنتهى للبهوتى جـ ٢ ص ٤٨، ٤٩، ٧٧، ٧٨، ٣٦١ الطبعة الأولى بالمطبعة العامرية سنة ١٣١٩ هـ.
وانظر أيضا كتاب الاختيارات العلمية لابن تيمية بنهاية مجموعة فتاوى ابن تيمية جـ ٤ ص ٧٤ طبعة مطبعة كردستان العلمية بمصر ١٣٢٩ هـ.
(٢) كشاف القناع السابق جـ ٢ ص ٥٦، ٥٧.
والحديث المذكور رواه الجماعة إلا البخارى (انظر: نيل الأوطار للشوكاني جـ ٥ ص ٢١٤) الطبعة الأولى بالمطبعة العثمانية ١٣٥٧ هـ.
(٣) المرجع السابق جـ ص ٥٦، ٦٠
(٤) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٤٤