اختلف القائلون بالنفسى فاختيار الإمام الغزالى وابن الحاجب أن الأمر بالشئ فورا ليس نهيا عن ضده ولا يقتضيه عقلا والمنسوب إلى العامة من الشافعية والحنفية والمحدثين أنه نهى عنه إن كان الضد واحدا وإلا فهو نهى عن الأضداد كلها.
وقيل نهى عن واحد غير معين من أضداده وهو بعيد ظاهر البعد وأن النهى أمر بالضد المتحد؛ فالنهى عن الكفر أمر بالإيمان. فإذا كان له أضداد فقال بعض الحنفية والمحدثين هو أمر بأضداده كلها.
وفيه بعد، والعامة من الحنفية والشافعية والمحدثين هو أمر بواحد غير معين من أضداده، وحكى قولى القاضي أبى بكر الباقلانى وقد سبقا في كلام الآمدى والعضد. ثم قال:
ومنهم من اقتصر على الأمر فقال: الأمر بالشئ نهى عن ضده وسكت عن النهى، وهو معزو إلى أبى الحسن الأشعرى ومتابعيه وعمم الأمر في إنه نهى عن العضد في الإيجابى والندبى. فالأمر الإيجابى نهى تحريمى عن الضد والأمر الندبى نهى تنزيهى عن الضد.
ومنهم من خص أمر الوجوب فجعله نهيا تحريميا عن الضد دون الندب.
واتفق المعتزلة - لنفيهم الكلام النفسى على نفى العينية فيهما بمعنى أن الأمر بالشئ ليس نهيا عن ضده ولا بالعكس لعدم إمكان ذلك فيهما لفظا واختلفوا:
هل يوجب كل من صيغتى الأمر والنهى حكما في الضد؟.
قال أبو هاشم وأتباعه: لا بل الضد مسكوت عنه.
وقال أبو الحسين وعبد الجبار: الأمر يوجب حرمة الضد.
وتفيد عبارة طائفة: أن الأمر يدل على حرمة الضد.
كما تفيد عبارة طائفة أخرى: أن الأمر يقتضى حرمة ضده.
ووضح ابن أمير الحاج ذلك فقال: (١)
والحاصل أن حرمة الضد لما لم تكن عندهم من موجبات صيغة الأمر فرارا من أن يكون الأمر نهيا عن ضده تنوعت إشارتهم إلى ذلك على ما قالوا:
فمن قال يوجب أشار إلى أن حرمة الضد تثبت ضرورة تحقق حكم الأمر. كالنكاح أوجب الحل في حق الزوج بصيغته والحرمة في حق الغير بحكمه دون صيغته.
ومن قال بدل أشار إلى أنها تثبت بطريق الدلالة لأن الصيغة تدل على الحرمة وإن لم تكن الحرمة من موجباتها كالنهى عن التأفيف يدل على حرمة الضرب وإن لم تكن حرمته من موجبات لفظ التأفيف.
ومن قال يقتضي أشار إلى أنها تثبيت بطريق الضرورة المنسوبة إلى غير لفظ الأمر لأن المقتضى يثبت زيادة على اللفظ بطريق الضرورة.
(١) المصدر السابق: ٢٢١