للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأضاف إلى المذاهب السابقة قول فخر الإسلام والقاضى أبى زيد وشمس الأئمة السرخسى وصدر الإسلام واتباعم من المتأخرين أن الأمر يقتضى كراهة الضد ولو كان إيجابا، والنهى يقتضى كون الضد سنة مؤكدة ولو كان النهى تحريما.

وعلق الشارح عليه بقوله: والظاهر أن اللفظى هو المراد لفخر الإسلام ومن معه ومراده غير أمر الفور لتنصيصه على تحريم الضد المفوت. يعنى إذا كان الأمر للوجوب. ونقل عن الفخر قوله: "وفائدة هذا الأصل أن التحريم إذا لم يكن مقصودا بالأمر لم يعتبر إلا من حيث يفوت الأمر، فإذا لم يفوته كان مكروها كالأمر بالقيام. ليس بنهى عن المقصود قصدا حتى إذا قعد لم تفسر صلاته بنفس القعود ولكنه يكره".

ولو كان مراده أمر الفور إما بناء على أنه له كما ذهب إليه الرازى أو لأنه مضيق ابتداء كما في صوم رمضان أو بسبب ضيق الوقت كالأمر بالصلاة عند ضيق الوقت لم يتأت القول بكراهية الضد لأنه ما من ضد إلا والاشتغال به مفوت للمأمور به حينئذ (١).

وعلى هذا الذي تحرر مرادا لفخر الإسلام ينبغى تقييد الضد بالمفوت ثم إطلاق الأمر عن كونه فوريا فيقال: الأمر بالشئ نهى عن ضده المفوت أو يستلزمه فيئول في المعنى إلى قول صدر الشريعة: إن الصحيح أن الضد إن فوت المقصود بالأمر يحرم وإن فوت عدمه المقصود بالنهى يجب وإن لم يفوت فالأمر يقتضى كراهته.

وحاصل هذا الكلام كما قال التفتازانى: أن وجوب الشئ يدل على حرمة تركه وحرمة الشئ تدل على وجوب تركه وهذا مما لا يتصور فيه نزاع.

ثم علق المصنف وشارحه على هذا الخلاف بما يلى:

"وحرر أن المسألة في أمر الفور لا التراخى ذكره شمس وصدر الإسلام وصاحب القواطع وغيرهم وفى الضد الوجودى المستلزم للترك لا الترك ذكره الشيخ سراج الدين الهندى والسبكى وغيرهما. ثم قالوا: وليس النزاع في لفظهما بأن يطلق لفظ أحدهما على الآخر ولا في أن مفهوم أحدهما عين مفهوم الآخر أو في ضمنه للتغاير للقطع بأن مفهوم كل منهما غير مفهوم الآخره بل النزاع في أن طلب الفعل الذي هو الأمر عين طلب ترك ضده الذي هو النهى.

فالجمهور يقول: نعم فالمتعلّق واحد والمتعلق شيئان متلازمان. فهو عندهم كالعلم المتعلق بمعلومين متلازمين. فكما يستحيل أن يتحقق العلم بأحدهما ويجهل الآخر يستحيل أن يتحقق الاقتضاء النفسى لفعل دون اقتضائه لترك ضده.

والقاضى أبو بكر الباقلانى آخرا يقول: لا، إلا أنه يثنى المتعلّق والمتعلق به جميعا فيرى أن الأمر النفسى يقارنه نهى نفسى أيضا، فيكون وجود القول النفسى الذي هو اقتضاء القيام ويعبر عنه


(١) المصدر السابق ٣٢٣