للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذهب جماعة إلى انعقاد الإجماع إذا اتفق الأكثر وخالف الأقل، وممن قال بذلك: محمد بن جرير الطبرى، وأبو بكر الرازى وأبو الحسين الخياط‍، وأحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، وينقل عن بعض الزيدية الميل إليه (١)، واحتج أصحاب هذا المذهب بما ورد من عصمة الأمة عن الخطأ، وقالوا: أن لفظ‍ الأمة يصح إطلاقه على أهل العصر، وإن شذ منهم الواحد والاثنان، ويرشحه قوله عليه الصلاة والسلام «عليكم بالسواد الأعظم»، «عليكم بالجماعة»، «يد الله مع الجماعة»، «إياكم والشذوذ» والواحد والاثنان بالنسبة إلى الخلق الكثير شذوذ، «الشيطان مع الواحد وهو عن الاثنين أبعد».

وقد اعتبرت خلافة أبى بكر رضى الله عنه ثابتة بالإجماع وإن خالف فى ذلك سعد ابن عبادة، ولولا أن إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل حجة لما كانت أمامة أبى بكر رضى الله عنه ثابتة بالإجماع، ثم إن خبر الواحد بأمر لا يفيد العلم، وخبر الجماعة إذا بلغ عدد التواتر يفيد العلم، فليكن مثله فى باب الاجتهاد والإجماع.

وقد أنكرت الصحابة على ابن عباس خلافه فى ربا الفضل فى النقود، وتحليل المتعة، ولولا أن اتفاق الأكثر حجة لما أنكروا عليه، فإنه ليس للمجتهد الإنكار على المجتهد إلى غير ذلك من وجوه الاستدلال - وكلها قد دارت فيه المناقشة بين المثبتين والمخالفين (٢) - وهناك آراء أخرى كرأى من يقول: إن عدد الأقل إن بلغ التواتر لم يعتد بالإجماع دونه، وإلا كان معتدا به (٣).

ولم ينسبوا هذا الرأى إلى قائل معين، وكرأى أبى عبد الله الجرجانى، وأبى بكر الرازى من الحنفية: أنه إذا سوغت الجماعة الاجتهاد للمخالف فيما ذهب إليه كان خلافه معتدا به، مثل خلاف ابن عباس رضى الله عنهما فى توريث الأم ثلث جميع المال مع الزوج والأب، أو مع المرأة والأب، وإن لم يسوغوا له ذلك الاجتهاد فلا يعتد بخلافه، مثل خلاف ابن عباس رضى الله عنهما فى تحريم ربا الفضل، وخلاف أبى موسى الأشعرى فى أن النوم ينقض الوضوء (٤).

وكالرأى الذى اختاره ابن الحاجب المالكى من أن قول الأكثر يكون حجة، ولا يكون إجماعا قطعيا (٥).

فمذهب ابن الحاجب فى عدم اعتبار اتفاق الأكثر إجماعا هو مذهب الجمهور، أى أن الإجماع لا ينعقد مع وجود المخالف وإن قل.

ولكنه يتكلم فى حجية اتفاق الأكثر وعدم قطعيته وكالرأى القائل بأن اتباع الأكثر أولى وإن جاز خلافه (٦).


(١) الأحكام للآمدى فى الموضع السابق وهداية العقول للزيدية فى الموضع السابق أيضا.
(٢) اقرأ المراجع السابقة فى كتب الأصول.
(٣) المراجع نفسها.
(٤) المراجع نفسها.
(٥) ج‍ ٢ ص ٣٤ من مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد.
(٦) المراجع السابقة.