للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كسبه وإن ولده من كسبه (١)، فكلوا من أموالهم) وأما الإِجماع فحكى ابن المنذر رحمه الله تعالى قال أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإِنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله. وإذا ثبت هذا فإن الأم تجب نفقتها ويجب عليها أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب لقول الله عز وجل: "وبالوالدين إحسانا"، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل سأله من أبر؟ قال: "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب" (٢)، ولأنها أحد الوالدين فأشبهت الأب، ولأن بينهما قرابة توجب رد الشهادة ووجوب العتق فأشبهت الأب، فإن أعسر الأب وجبت النفقة على الأم ولم ترجع بها عليه إن أيسر، لأن من وجب عليه الإِنفاق بالقرابة لم يرجع به كالأب (٣). ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، ولهم في إعفاف الأب الصحيح وجه آخر: أنه لا يجب، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا يلزم الرجل إعفاف أبيه سواء وجبت نفقته أو لم تجب لأن ذلك من أعظم الملاذ، فلم تجب للأب كالحلواء، ولأنه أحد الأبوين فلم يجب ذلك له كالأم. ويدل لنا أن ذلك مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده فلزم ابنه إعفافه كالنفقة، ولا يشبه الحلواء لأنه لا يستضر بفقدها وإنما يشبه الطعام والأدم. وأما الأم فإنما إعفافها بتزويجها إذا طلبت ذلك وخطبها كفؤها، ونحن نقول بوجوب ذلك عليه وهم يوافقوننا عليه. إذا ثبت هذا فإنه يجب إعفاف من لزمت نفقته من الآباء والأجداد (٤)، وإذا وجب عليه إعفاف أبيه فهو مخير إن شاء زوجه حرة وإن شاء ملكه أمة أو دفع إليه ما يتزوج به حرة أو يشترى به أمة، وليس للأب التخيير عليه إلا أن الأب إذا عين امرأة وعين الابن أخرى وصداقهما واحد قدم تعيين الأب لأن النكاح له والمؤنة واحدة فقدم قوله كما لو عينت البنت كفؤا وعين الأب كفؤا يقدم تعيينها. وإن اختلفا في الصداق لم يلزم الابن الأكثر؛ لأنه إنما يلزم أقل ما تحصل به الكفاية، ولكن ليس له أن يزوجه أو يملكه قبيحة أو كبيرة لا استمتاع فيها، وليس له أن يزوجه أمة لأن فيه ضررا عليه وهو إرقاق ولده والنقص في استمتاعه، وإن رضى الأب بذلك لم يجز لأن الضرر يلحق بغيره وهو الولد، ولذلك لم يكن للموسر أن يتزوج أمة. وإذا زوجه زوجة أو ملكه أمة فعليه نفقته ونفقتها ومتى أيسر الأب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه إليه ولا عوض ما زوجه به لأنه دفعه إليه في حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة (٥). وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجا إلى إعفافه لأنه من عمودى نسبة وتلزمه نفقته فيلزمه إعفائه عند حاجته إليه كأبيه، قال


(١) رواه أبو داود.
(٢) رواه أبو داود.
(٣) المغنى لأبى محمد. عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى جـ ٧ ص ٥٨٢، ص ٥٨٣ نفس الطبعة.
(٤) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٨٧، ص ٥٨٨ نفس الطبعة.
(٥) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٨٨ نفس الطبعة.