المنتسبون، وهم الذين تلقوا فقههم عن إمام معين، وتأثروا بطريقته فى الاجتهاد إلى حد كبير، فإن له أثرا واضحا فى اجتهادهم ولكنهم يخالفون أستاذهم فى الأصول وفى الفروع.
والمجتهدون فى المسائل، وهم فقهاء أظهر أحوالهم أنهم مقلدون لإمام معين لا يخالفونه فى أصول ولا فى فروع، ولكنهم يجتهدون فى المسائل التي لا رواية فيها. وأهل الوجوه والتخريج وهم فقهاء مقلدون لا اجتهاد لهم وكل عملهم هو تفصيل ما روى مجملا وتكميل ما روى محتملا، ثم يأتى بعد ذلك أهل التفقه والاستظهار والأخذ الذين برزوا فى صفوف أواخر المتأخرين ودونت آراؤهم فى المذاهب وتنو قلت ولا سبيل إلى استبعادها بل ربما كان الحرص عليها أشد من سواها.
أما من لم يكن من أهل الاجتهاد بأنواعه، ولا من أهل الوجوه والتخريج ومن بعدهم فإنه لا يعتد برأيه ولا يعتبر ما ذهب إليه فقها، لأنه صادر عمن ليس أهلا له. ويكون رده أولى إذا كان مخالفا لرأى الإمام الذى يقلده.
ولذا ترى الحنفية يقولون - فى بعض ما يعترض به الكمال بن الهمام ويقرر خلال ذلك ما يراه، أن الاعتراض وارد والفقه مسلم، فإذن لا سبيل إلى جعل هذا الرأى من مذهب الحنفية، لمخالفته له، ولا سبيل إلى الأخذ به تقليدا لصاحبه، لأنه هو نفسه مقلد وليس ممن يقلدون، فلا يعتبر ما ذهب إليه فقها بأى حال.
وإذا كان عمل الفقيه أو المتفقه الذى ليس من الطوائف التى ذكرت هو الترجيح بين الأقوال المختلفة، أو تصحيح الروايات وتحرير الأقوال، فليس هذا مما نحن فيه هنا.
والحكم فى كل ما أوردناه فى هذه الناحية هو الرأى العام الفقهى على النحو الذى ذكر فى المسألة السابقة، فلا وزن لقول من قال تصريحا أو تلويحا: إن الإمام أحمد بن حنبل ليس فقيها، وإنما هو محدث، ولا لقول من قال: إن داود بن على الأصفهانى، رأس الظاهرية، ليس من المجتهدين، فقد حكم لهما الرأى العام الفقهى أقوى الأحكام فى مختلف العصور.
أما آراء المشتغلين بالفقه المعاصرين التى تخالف المعروف فى الفقه، أو التى لا رواية فيها، أو التى ترجح مذهبا على آخر، فإن الرأى العام الفقهى لم يصدر حكمه فيها، أما تحريرهم للمنقول وتحقيقه فالحكم فيه ما يكون عليه.