للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: وذكر بعض أصحابنا أن للامام فعل ذلك إن رآه.

ثم قال: ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الخمر فاجلدوه.

والجلد إنما يفهم من اطلاق الضرب بالسوط‍، ولأنه أمر بجلده، كما أمر بجلد الزانى فكان بالسوط‍ مثله.

والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط‍ وكذلك غيرهم فكان اجماعا.

أما المالكية (١) فقالوا: إن آلة الجلد فى الحدود مطلقا سوط‍ له رأس لين لا رأسان، ولا يجزئ فيها القضيب ولا الشراك، أى النعل، ولا الدرة، وإنما كانت درة عمر للتأديب.

والشيعة الجعفريه (٢) سلكوا مسلكا قريبا من الحنابلة اذ قالوا: إن آلة الجلد للصحيح السوط‍ وللمريض الضغث، وهى جملة من العيدان ونحوها المشتمل على العدد المعتبر فى الحد وضربه به دفعة واحدة مؤلمة بحيث يمسه الجميع أو تكبس بعضها على بعض فيناله ألمها، ولو لم تسع اليد العدد أجمع ضربه به مرتين فصاعدا إلى أن يكمل ولا يشترط‍ وصول كل واحد من العيدان إلى بدنه، ولو احتمل سياطا خفافا فهى أولى من الضغث، والظاهر الاجتزاء فى الضغث بمس المضروب به مع حصول الألم به فى الجملة وإن لم يحصل بآحاده.

ويرى الظاهرية (٣): أن آلة الجلد فى الزنا والقذف سوط‍ أو حبل من شعر أو كتان أو قنب أو صوف أو قضيب من خيزران أو غيره، أما آلة حد الخمر فهى كما ورد فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم جلد فيها بالجريد والنعال، وفى حديث آخر أنه قال فى الشارب: أضربوه.

فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه.

فالجلد فى الخمر خاصة يكون بذلك، فأى شئ رآه الحاكم من ذلك فحسن، ولا يمتنع أن يجلد فى الخمر بسوط‍ لا يكسر ولا يجرح ولا يعفن لحما.

ونصوا (٤) على أن من كان مريضا أو ضعيفا جدا جلد بشمروخ فيه مائة عثكول جلدة واحدة، أو فيه ثمانون عثكالا كذلك، ويجلد فى الخمر أن اشتد ضعفه بطرف ثوب على حسب طاقة كل أحد ولا مزيد، ثم قال: وبهذا انقطع بأنه الحق.

والزيدية (٥) ينصون على أنه لا يكون الجلد بخشبة لئلا يكسر عظما بل بسوط‍ أو عود بين الرقيق والغليظ‍ والجديد والعتيق، خلى من العقد فإن أيس ضربه بعثكول أن احتمله لأمر الرسول أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة، ولا بد أن يباشره كل ذيوله ليقع المقصود، وقيل يجزئ وإن تداخلت ولا يجزئ بالنعال وأطراف الثياب.

والإباضية فى آلة حد الشرب يأخذون بما روى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أوتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر رضى الله عنه.


(١) بلغة السالك ج‍ ٢ ص ٤٠٧، الدسوقى ج‍ ٤ ص ٣٥٤.
(٢) الروضة ج‍ ٢ ص ٣٥٨.
(٣) المحلى ج‍ ١١ ص ٢٠٦ - ٢٠٩.
(٤) المحلى ج‍ ١١ ص ٢١٣.
(٥) البحر الزخار ج‍ ٥ ص ١٥٥.