للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وللحنابلة فى هذا المقام تفصيل (١):

خلاصته، أن الأواني المشتبهة لا تخلو من حالين:

أحدهما: ألا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف فى المذهب أنه لا يجوز التحرى فيها بل يريقها ويتيمم.

فهم كالأحناف فى هذا.

الثانى: أن يكثر عدد الطاهر فذهب بعضهم إلى جواز التحرى لأن الظاهر إصابة الطاهر لأن جهة الإباحة قد ترجحت فجاز التحرى، وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحرى فيها بحال، وهو قول أكثر أصحابه.

ثم قال ابن قدامة (٢): إذا أشتبه طهور بماء قد بطلت طهوريته توضأ من كل واحد وضوءا كاملا وصلى بالوضوءين صلاة واحدة، وقال أنه لا يعلم فى ذلك خلافا لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه كما لو كانا طهورين ولم يكف أحدهما وهذا غير ما لو كان أحدهما نجسا لأنه ينجس أعضاءه بيقين فلا يأمن أن يكون النجس هو الثانى فإن احتاج إلى أحد الإناءين فى الشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده ويتيمم معه ليحصل له اليقين.

ويقول ابن حزم (٣): ان كان بين يدى المتوضئ إناءان فصاعدا فى أحدهما ماء طاهر بيقين وسائرها نجس أو فيها واحد نجس وسائرها طاهر ولا يميز من ذلك شيئا فله أن يتوضأ بأيها شاء ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات وتوضأ بما لا يحل الوضوء به لأن كل ماء منها فعلى أصل طهارته على انفراده فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام فعليه أن يطهر أعضاءه إن كان ذلك الماء حراما استعماله جملة، فإن كان فيها واحد «معتصر» لا يدريه لم يحل له الوضوء بشئ منها لأنه ليس على يقين من أنه توضأ بماء واليقين لا يرتفع بالظن.

وأما الزيدية (٤): فيقولون كالشافعية إن التحرى مشروع عند لبس الطاهر بالنجس مطلقا لوجوب العمل بالظن.

ونقل صاحب البحر عن الأكثر - العترة والأئمة الأربعة - أنه لا بد فى التحرى من اجتهاد بأمارة من ترشيش أو غيره فإن أريقت الأنية كلها إلا واحدا فوجوه، أصحها تبين طهارة الباقى رجوعا إلى الأصل وقيل يتيمم إذ لا تحرى إلا بين اثنين وقيل يتحرى فى الباقى لإمكانه.

وإذا ظن قبل الصلاة أن الذى توضأ به هو النجس يتيمم لبطلان الأول فإن وجد أناء تيقن طهارة مائه ترك الملتبس حتما إذ لا يكفى الظن مع إمكان اليقين، ونقل عن الأكثر أن له التحرى.

ونقل عن المنصور بالله وبعض البغداديين أنه إذا التبس قراح (أى طهور) بطاهر غير مطهر استعملها لتيقن الامتثال.

وهذا النقل كالذى سبق عن المالكية ونقل عن الخراسانيين أنه يتحرى فى هذا أيضا.

ولم نقف للجعفرية على كلام فى مسألة اختلاط‍ الأوانى.


(١) المغنى ج‍ ١ ص ٦٠.
(٢) المرجع السابق ص ٦٣.
(٣) المحلى ج‍ ٢ ص ٢٢٥.
(٤) البحر الزخار ج‍ ١ ص ٣٩.