أجيز فى ذلك كله بالاتفاق وانما هو مبين أن المستثنى غير مراد فى الكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل، فقوله تعالى {(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً)} عبارة عن تسعمائة وخمسين عاما، وقوله {(إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي)} مقتضاه انه لم يتبرأ من الله، فكذلك قوله: أنت طالق ثلاثا ألا واحدة عبارة عن اثنين لا غير.
وقد قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل اذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ألا واحدة انها تطلق طلقتين ويصح استثناء ما دون النصف باتفاق ولا يصح استثناء الكل باتفاق أيضا ويصح استثناء الاكثر والنصف عند الجمهور، ولا يصح استثناء الاكثر عند الحنابلة وفى استثناء النصف وجهان عندهم فلو قال: أنت طالق ثلاثا الا واحدة صح ووقعت ثنتان عند الكل ولو قال: ألا ثلاثا بطل ووقع الثلاث عند الكل ولو قال: الا ثنتين بطل ووقع الثلاث عند الحنابلة وصح ووقعت واحدة عند الجمهور ولو قال: أنت طالق ثنتين ألا واحدة صح ووقعت واحدة عند الجمهور واحتمل وجهين عند الحنابلة أحدهما كالجمهور والثانى لا يصح وتقع ثنتان.
ولا يصح الاستثناء الا متلفظا به فاذا طلقها بلسانه واستثنى بقلبه شيئا وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء
وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما لا يصح نطقا ولا نية وهو ما يرفع حكم اللفظ كاستثناء الكل مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا فهذا لا يصح سواء نطق كما فى المثال المذكور أو نواه فقط بأن قال: أنت طالق ثلاثا ونوى بقلبه استثناء الثلاث، فيبطل الاستثناء فى الحالتين وتقع الثلاث.
ثانيها: ما يصح لفظا ولا يقبل نية لا فى الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الاقل فهذا يصح لفظا لانه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل ان يقول: أنت طالق ثلاثا ويستثنى بقلبه الا واحدة، فهذا لا يصح لان العدد نص فيما تناوله لا يتحمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ اذ اللفظ أقوى من النية فيقع مقتضى اللفظ وهو ثلاث وتلغو النية.
وليس هذا مثل قوله: نسائى طوالق واستثناء فلانة منهن بقلبه حيث يصح الاستثناء ولا تطلق فلانة المستثناة - لان لفظ نسائى عام يجوز التعبير به عن بعض ما يشمله وضعا، فاذا أريد به البعض صح، بخلاف ثلاثا فى قوله: أنت طالق ثلاثا فانه اسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير به عن عدد آخر غيرها ولا يحتمل سواها فاذا أراد به اثنين بقرينة الاستثناء فقد أراد باللفظ ما لا يحتمله، وانما تعمل