لأن الفاء تعطى أن يكون الثانى بعد الاول بلا مهلة فصح ما قلناه.
وقالت طائفة: الاستثناء جائز أبدا متى أراد أن يستثنى كما روى عن ابن عباس انه قال: له ثنياه بعد كذا وكذا - قيل بعد سنين وقيل بعد أربعة أشهر وقيل بعد شهر وقيل متى ذكر، وقيل مادام فى المجلس - وقال بعضهم لو كان ما قال ابن عباس ما لزمت أحدا كفارة أبدا.
واستدل ابن حزم على ما اختاره من لزوم الوصل باليمين بقوله تعالى {(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ … )} فقد أوجب الله تعالى الكفارة على من عقد اليمين. والحديث المار جعل الاستثناء مردودا على اليمين بالفاء فى لغة العرب فوجب تعقيبا بلا مهلة.
ويمين الابكم واستثناؤه لازمان على حسب طاقته من صوت بصوته أو اشارة تصدر عنه ان كان مصمتا لا يقدر على أكثر من ذلك اذ الابكم والمصمت مخاطبان بشرائع الاسلام كغيرهما. وقد قال الله تعالى {(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها)} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) توجب عليهما من التكاليف ما استطاعاه ولزم أن يسقط عنهما ما ليس فى وسعهما وأن يقبل منهما ما يخبران به عن أنفسهما حسب ما يطيقان والأيمان أخبار من الحالف عن نفسه فيلزمهما ما التزماه.
ومن حلف ايمانا على أشياء كثيرة على كل شئ منها يمين مثل، والله لا أكلت اليوم.
وو الله لا كلمت زيدا. والله لا دخلت داره ونحو ذلك فهى أيمان كثيرة، أن حنث فى شئ منها فعليه كفارة فيه فان عمل آخر فكفارة أخرى فان عمل ثالثا فكفارة ثالثة وهكذا ما زاد. لانها ايمان متغايرة وأفعال متغايرة وأحناث متغايرة ان حنث فى يمين لم يحنث بذلك فى أخرى بلا شك، فلكل يمين حكمها.
فلو حلف كذلك ايمانا كثيرة على أشياء كثيرة على كل منها يمين ثم قال فى آخرها ان شاء الله أو استثنى بشئ ما، فهل يرجع الاستثناء الى كل هذه الأيمان أو يرجع الى بعضها، أو ان الامر منوط بنيته؟ خلاف. قال قوم: ان كان كل ذلك موصولا يرجع الى نيته ويصدق فيما قال فان قال:
أردت بالاستثناء جميع الايمان فلا حنث عليه فى شئ منها، وأن قال: نويت آخرها فهو كما قال .. وقال أبو ثور: الاستثناء راجع الى جميع الايمان، وقال أبو حنيفة: لا يكون الاستثناء الا لليمين التى تلى الاستثناء جميعا على رأى الحنفية فى الاستثناء والصفة والشرط والغاية اذا وقعت بعد جمل معطوف بعضها على بعض بالواو حيث قالوا انها ترجع الى الجملة الاخيرة.