للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مريدة بالعبارة الواحدة معنيين مختلفين كما يجد نفسه مريدة للمعنيين المتفقين جميعا ونعلم ذلك من أنفسنا قطعا فمن ادعى استحالته فقد جحد الضرورة وعاند المعقول، ألا ترى أن الواحد منا قد يجد فى نفسه اذا قال لغيره: لا تنكح ما نكح أبوك أو قال لغيره: توضأ من لمس المرأة، ارادة العقد والوط‍ ء فى الاول، واردة المس باليد والوط‍ ء فى الثانى حتى لو صرح به وقال: لا تنكح ما نكح أبوك وطئا ولا عقدا وتوضأ من اللمس مسا ووطئا صح ذلك من غير استحالة، فكذا يجوز أن يحمل قوله تعالى: «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ١» على الوط‍ ء والعقد، وأن يحمل قوله تعالى: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» (٢) على الوط‍ ء والمس باليد من غير استحالة، قالوا: وهذا بخلاف ما اذا أريد باللفظ‍ الواحد معنيان متضادان كما اذا أريد بالامر الوجوب والندب أو الاباحة أو التهديد أو أريد بالمشركين الكل والبعض حيث لا يجوز مع صلاحيته لكل واحد لان العمل بهما مستحيل لان كون الفعل واجبا يأثم بتركه يضاد كونه ندبا أو مباحا لا يأثم بتركه فيستحيل الجمع بينهما، ومثل ذلك: افعل أمرا وتهديدا فانه لا يمكن الجمع للتنافى بينهما أو بالنظر الى القرينة الصارفة، وظاهر هذا يشعر بأن الاصل عندهم الجمع الا للضرورة (٣)، هذا رأى من ذهب الى جوازه، أما من (٤) ذهب الى امتناع جوازه فلهم أن القول بجواز ارادتهما يؤدى الى المحال فيكون فاسدا وبيان الاستحالة من وجوه: أحدهما: أن الحقيقة ما يكون مستقرا فى موضوعه مستعملا فيه، والمجاز ما يكون متجاوزا عن موضوعه مستعملا فى غيره، والشئ الواحد فى حالة واحدة لا يتصور أن يكون مستقرا فى موضعه ومتجاوزا عنه ضرورة أن الشئ الواحد لا يحل فى مكانين، وثانيهما أنه لو صح الاطلاق عليهما يكون المستعمل مريدا لما وضعت له الكلمة أولا لاستعمالها فيه غير مريد له أيضا للعدول بها عما وضعت له فيكون موضوعها مرادا وغير مراد وهو جمع بين النقيضين، والاستحالة فى الوجه الاول باعتبار اللفظ‍ وفى الوجه الثانى باعتبار المعنى، وثالثها أن استعمال الكلمة فيما هى مجاز فيه يوجب اضمار كاف التشبيه لما عرف، واستعمالها فيما هى حقيقة فيه لا يوجب ذلك، وبين الاضمار وعدمه تناف، ورابعها أن المجاز لا يفهم من الخطاب الا بقرينة وتقييد، والحقيقة تفهم بالاطلاق من غير قرينة وتقييد، ويستحيل أن يكون الخطاب الواحد جامعا بين الامرين فيكون مطلقا ومقيدا فى حالة واحدة، قال فى كشف الاسرار (٥): ولكن


(١) الآية رقم ٢٢ من سورة النساء.
(٢) الآية رقم ٤٣ من سورة النساء.
(٣) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ج‍ ١ ص ٢١٦.
(٤) كشف الاسرار ج‍ ٢ ص ٣٦٥.
(٥) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٣٦٦.