للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: لا يقبل قوله كما لا يقبل فى دعوى الضرر والغبطة فى بيع العقار.

وإِن أراد أن يبيع ماله بماله (١) فان كان أبا أو جداً جاز ذلك، لأنهما لا يتهمان فى ذلك لكمال شفقتهما، وإن كان غيرهما لم يجز لأنه متهم فى طلب الحظ‍ له فى بيع مال موليه من نفسه. ثم قال: وان أراد أن يأكل من ماله فإن كان غنيا لم يجز لقوله تعالى «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} (٢)» وإن كان فقيرا جاز أن يأكل لقوله تعالى «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (٢).

وفى ضمان الأب للبدل قولان:

أحدهما: لا يضمن لأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذى يأكله الإمام من أموال المسلمين.

والثانى: يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره.

ويرى الحنابلة: أن للأب أن يبيع ويشترى ويرهن لنفسه من مال موليه، ولا يصح (٣) إقرار الولى عليه بمال ولا اتلاف، لأنه قرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع والإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل ولا يصح أن يأذن له فى حفظ‍ ماله.

ولوليه مكاتبة رقيقه وعتقه على مال إن كان فيه حظ‍، وله تزويج رقيقه من عبيد وإماء لمصلحة. والسفر بما له لتجارة وغيرها فى مواضع آمنة فى غير بحر، ولا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولا يغرر بماله، وله المضاربة بماله بنفسه ولا أجرة له فى نظير اتجاره به، والربح كله للمولى عليه والتجارة بماله أولى من تركها لحديث «اتجروا فى أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة» فقاسوا الأب على ولى اليتيم فى ذلك. وله دفعه مضاربة إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح وله ابضاعه وهو دفعه إلى من يتجر فيه، والربح كله للمولى عليه. وله بيعه نسيئة لملئ وقرضه لمصلحة فيهما، ولا يقرضه الولى لمودة ومكافأة.

ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا لنفسه، كما لا يشترى من نفسه ولا يبيع لنفسه للتهمة، وجاز ذلك للأب لعدم التهمه عند الأب لكمال شفقته. وللأب أن يرتهن ماله لنفسه، ولا يجوز ذلك لولى غيره، ولوليه أبا كان أو غيره شراء العقار له من ماله ليستغل مع بقاء الأصل له. وله بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده ومتى كان خلط‍ مؤنته بقوت وليه (٤) أرفق وألين لعيشه فهو أولى طلبا للرفق، قال تعالى «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» وإن كان أفراده أرفق أفرده، ويجوز تركه فى المكتب ليتعلم ما ينفعه، وتعليم الخط‍ والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه من ماله. وله أن يسلمه فى صناعة إذا كانت مصلحة. وله بيع عقاره لمصلحه ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله.

وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لا بد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليها الهلاك


(١) المهذب ج‍ ١ ص ٣٣١.
(٢) سورة النساء: ٦.
(٣) كشاف القناع ج‍ ٢ ص ٢٢٥.
(٤) كشاف القناع ج‍ ٢ ص ٢٢٥، ٢٢٦.