للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحالف نصرانيا فانه يستحلف بالله الذى أنزل الانجيل على سيدنا عيسى عليه السلام لان النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن صوريا الاعور أنشدك بالله الذى أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا فى كتابكم هذا وذلك لان اليهودى يعتقد بنبوة موسى والنصرانى بنبوة عيسى فيغلظ‍ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه ليكون رادعا له عن الاقدام على اليمين الكاذبة، أما المجوسى فانه يستحلف بالله الذى خلق النار. هكذا ذكر محمد فى الاصل لان المجوسى يعتقد الحرمة فى النار، ويروى عن أبى حنيفة رحمه الله فى النوادر أنه لا يستحلف أحد الا بالله خالصا، وذكر الخصاف رحمه الله أنه لا يستحلف غير اليهودى والنصرانى الا بالله تعالى وهو اختيار بعض مشايخنا لان فى ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيما لها وما ينبغى أن تعظم وذلك بخلاف الكتابيين لان كتب الله معظمة والوثنى لا يحلف الا بالله لان الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى ولا ينكرون الصانع كما ورد فى قول الله جل شأنه «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ١» ولا يحلف اليهودى ولا النصرانى (٢) على الاشارة الى كتاب معين بأن يقول: بالله الذى أنزل هذا الانجيل أو هذه التوراة لانه قد ثبت تحريف بعضها فلا يؤمن أن تقع الاشارة الى المحرف فيكون التحليف به تعظيما لما ليس بكلام الله عز وجل ولا يبعث هؤلاء الى بيوت عبادتهم من البيعة والكنيسة وبيت النار لان فيه تعظيم هذه المواضع، وكذا لا يجب تغليظ‍ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان عندنا لما روينا من الحديث المشهور وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه مطلقا عن الزمان والمكان قال القدورى (٣) ولان المقصود تعظيم المقسم به وهو حاصل بدون ذلك وفى ايجاب ذلك حرج على القاضى حيث يكلف حضورها، ولقد اختصم (٤) زيد بن ثابت وابن مطيع فى دار الى مروان بن الحكم فقضى على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر فقال له زيد أحلف له مكانى فقال له مروان بن الحكم لا والله الا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق وأبى أن يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك ولو كان ذلك لازما لما احتمل أن يأباه زيد بن ثابت ولان التخصيص فى التحليف بمكان وزمان فيه تعظيم لغير اسم الله عز وجل وفيه معنى الاشراك فى التعظيم أما صفة الاستحلاف بالنسبة للمحلوف عليه فان كانت الدعوى مطلقة عن سبب بأن ادعى عبدا أو جارية أو أرضا وأنكر المدعى عليه فلا خلاف فى أنه يحلف على الحكم وهو ما دفع فيه الدعوى فيقال بالله ما هذا العبد أو الجارية أو الارض لفلان هذا ولا شئ منه وان كانت الدعوى مقيدة بسبب بأن ادعى أنه أقرضه ألفا أو غصبه ألفا أو أودعه ألفا وأنكر المدعى عليه فقد اختلف أبو يوسف ومحمد فى أنه يحلف على السبب


(١) الآية رقم ٢٥ من سورة لقمان.
(٢) بدائع الصنائع للكاسانى ج‍ ٦ ص ٢٢٨.
(٣) نتائج الافكار تكملة فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ج‍ ٦ ص ١٧٦ وما بعدها.
(٤) بدائع الصنائع للكاسانى ج‍ ٦ ص ٢٢٨.