فان قيل متى يكون محيطا بمدارك الشرع وما تفصيل العلوم التى لا بد منها لتحصيل منصب الاجتهاد قلنا انما يكون متمكنا من الفتوى بعد أن يعرف المدارك المثمرة للاحكام وأن يعرف كيفية الاستثمار.
والمدارك المثمرة للاحكام كما فصلناها أربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل.
وطريق الاستثمار يتم بأربعة علوم اثنان مقدمان واثنان متممان وأربعة فى الوسط فهذه ثمانية فلنفصلها ولننبه فيها على دقائق أهملها الاصوليون.
أما كتاب الله عز وجل فهو الاصل ولا بد من معرفته ولنخفف عنه أمرين.
أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب بل ما تتعلق به الاحكام منه وهو مقدار خمسمائة آية.
الثانى: لا يشترط حفظها عن ظهر قلب بل أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج اليها فى وقت الحاجة.
وأما السنة فلا بد من معرفة الاحاديث التى تتعلق بالاحكام وهى وان كانت زائدة على ألوف فهى محصورة وفيها التخفيفان المذكوران اذ لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الاحاديث بالمواعظ وأحكام الاخرة وغيرها.
الثانى لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الاحاديث المتعلقة بالاحكام كسنن أبى داود ومعرفة السنن لاحمد البيهقى أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الاحاديث المتعلقة بالاحكام ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه وقت الحاجة الى الفتوى وان كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل.
وأما الاجماع فينبغى أن تتميز عنده مواقع الاجماع حتى لا يفتى بخلاف الاجماع كما يلزمه معرفة النصوص حتى لا يفتى بخلافها والتخفيف فى هذا الاصل أنه لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الاجماع والخلاف بل كل مسألة يفتى فيها فينبغى أن يعلم أن فتواه ليس مخالفا للاجماع اما بأن يعلم أنه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة فى العصر لم يكن لاهل الاجماع فيها خوض فهذا القدر فيه كفاية.
وأما العقل فنعنى به مستند النفى الاصلى للاحكام فان العقل قد دل على نفى الحرج فى الاقوال والافعال وعلى نفى الاحكام عنها من صور لا نهاية لها.
أما ما استثنته الادلة السمعية من الكتاب والسنة فالمستثناة محصورة وان كانت كثيرة فينبغى أن يرجع فى كل واقعة الى النفى الاصلى والبراءة الاصلية ويعلم