وكما أن معنى المعاوضة لازم فى الاجارة فمعنى استيفاء عين الحق أصل فى الصلح فيجب اعتبارهما جميعا ما أمكن ومعلوم أنه لا يمكن استيفاء الحق من المنفعة، لأنها ليست من جنس المدعى فيجب تحقق معنى الاستيفاء من محل المنفعة - وهو الرقبة - ولا يمكن ذلك الا بعد ثبوت الملك له فيها، فتجعل كأنها ملكه فى حق استيفاء حقه منها، وبعد القتل ان تعذر الاستيفاء من عينها يمكن من بدلها فكان له أن يستوفى من البدل بأن يشترى له عبدا فيخدمه الى المدة المشروطة، وله حق النقض أيضا لتعذر محل الاستيفاء.
وان استهلكه المدعى عليه بأن قتله أو كان عبدا فأعتقه يبطل الصلح أيضا.
وقيل هذا قول محمد.
فأما على أصل أبى يوسف فلا يبطل وتلزمه القيمة ليشترى له بها عبدا آخر يخدمه الى المدة المشروطة كما اذا قتله أجنبى، وكالراهن اذا قتل العبد المرهون أو أعتقه وهذا لأن رقبة العبد وان كانت مملوكة للمدعى عليه لكنها مشغولة بحق الغير - وهو المدعى - لتعلق حقه بها فتجب رعايتهما جميعا بتنفيذ العتق ويضمن القيمة كما فى الرهن.
وكذا لو استهلكه المدعى بطل الصلح عند محمد.
وعند أبى يوسف لا يبطل وتؤخذ من المدعى قيمة العبد ويشترى عبدا آخر يخدمه. وهل يثبت الخيار للمدعى فى نقض الصلح على مذهبه؟ فيه نظر - هذا اذا كان الصلح على منافع الحيوان.
فأما اذا كان الصلح على سكنى بيت فهلك بنفسه بأن انهدم، أو باستهلاك بأن هدمه غيره لا يبطل الصلح، ولكن لصاحب السكنى وهو المدعى الخيار ان شاء بناه صاحب البيت بيتا آخر يسكنه الى المدة المضروبة وان شاء نقض الصلح ولا يتعذر هنا خلاف محمد، لأن اجارة العبد تبطل بموته بالاجماع واجارة الدار لا تبطل بانهدامها ولصاحب الدار أن يبنيها مرة أخرى فى بعض اشارات الروايات عن أصحابنا على ما مر فى الاجارات (١).
وجاء فى حاشية الشلبى على تبيين الحقائق: أنه لو تصالحا على مائة درهم على أن يقر له بالسرقة ففعل ذلك فان كانت العروض قائمة بعينها فالصلح جائز وان كانت مستهلكة فالصلح باطل، هذا لفظ محمد فى الأصل فى باب دعوى الجراحات والحدود.
وتفسيره ما قال شيخ الاسلام علاء الدين الاسبيجابى فى باب الصلح فى دعوى القصاص والحد من شرح
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج ٦ ص ٥٤، ٥٥ الطبعة الاولى.