للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى مقابل الصياغة قال بهذا الامام أبو حنيفه رحمه الله تعالى، لأن العين باقية من كل وجه ولم يطرا عليها استهلاك بأى وجه من الوجوه التى سبق الاشارة اليها.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنه لا سبيل للمالك على ذلك ويملكها الغاصب بضربها دنانير أو دراهم أو أوانى، وعلى الغاصب مثل ما غصب، لأن صنع الغاصب وقع استهلاكا، لأن المغصوب بالصياغة صار شيئا آخر وفوت بذلك على المالك بعض مقاصده.

أما اذا سبكه ولم يصغه أو جعله مربعا أو مطولا أو مدورا فانه لا يعتبر استهلاكا له باجماع الأئمة.

ومن ثم فان لمالكه الحق فى أن يسترده ولا شئ عليه (١).

ولو كان المغصوب صفرا أو نحاسا أو حديدا فضربه الغاصب آنية نظر فان كان يباع وزنا فهو على الخلاف الذى ذكر فى مسألة الذهب والفضة لأنه لم يخرج بالضرب والصناعة عن حد الوزن وان كان يباع عددا فانه يكون استهلاكا له لأنه خرج عن كونه (٢) موزونا.

ومن ثم فليس لمالكه أن يسترده بلا خلاف.

ولو كان المغصوب لبنا أو آجرا أو ساجة فأدخلها الغاصب فى بنائه فانه يعتبر استهلاكا، لأن المغصوب بالادخال فى البناء والتركيب صار شيئا آخر غير الأول لاختلاف المنفعة اذ المطلوب من المركب يختلف عن المطلوب من المفرد فصار تبعا له فكان الادخال اهلاكا معنى فيوجب زوال ملك المغصوب منه، ويصير ملكا للغاصب.

وذكر الكرخى رحمه الله تعالى أن حكم مسألة الساجة اذا كان الغاصب قد بنى فى حوالى الساجة لا على الساجة نفسها أما اذا بنى على نفس الساحة فانه لا يبطل ملك المالك. بل ينقض البناء وهذا القول اختاره الفقيه أبو جعفر الهندوانى، لأن البناء اذا لم يكن على نفس الساجة لم يكن الغاصب متعديا بالبناء لينقض ازالة للتعدى، واذا كان البناء عليها كان متعديا على الساجة فيزال تعديه بالنقض.

والصحيح أن المسألة فيها خلاف.

ولو غصب ثوبا فقطعه ولم يخطه أو شاة فذبحها ولم يشوها ولا طبخها فلا ينقطع حق المالك اذ الذبح ليس باستهلاك، بل هو تنقيص وتعييب فلا يوجب زوال الملك بل يوجب الخيار للمالك، فيخير بين تضمين


(١) المرجع السابق ج ٧ ص ١٤٩ الطبعة السابقة وتبيين الحقائق للزيلعى ج ٥ ص ٢٢٨ الطبعة السابقة.
(٢) بدائع الصنائع ج ٧ ص ١٤٩، ١٥٠ الطبعة السابقة.