للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السارق ولا على القابض بدليل قول الله تعالى: «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (١) فالله سبحانه وتعالى سمى القطع جزاء فلو ضم اليه الضمان لم يكن القطع كافيا فلم يكن جزاء فالله سبحانه وتعالى جعل القطع كل الجزاء فلم يذكر غيره، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا قطع السارق فلا غرم عليه (٢).

ويخرج على هذا الأصل أنه اذا استهلك السارق المسروق بعد القطع لا يضمن فى ظاهر الرواية، لأن عصمة المحل الثابتة حقا للمالك قد سقطت فى حق السارق لضرورة امكان ايجاب القطع فلا يعود الا بالرد الى المالك فلم يكن معصوما قبله فلا يكون مضمونا.

وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يضمن، لأن المسروق بعد القطع بقى على ملك المسروق منه ألا ترى أنه يجب رده على المالك، وقبض السارق ليس بقبض مضمون فكان المسروق فى يده بمنزلة الأمانة، فاذا استهلكها ضمن.

ولو استهلك المسروق رجل آخر يضمنه، لأن العصمة انما سقطت فى حق السارق لا فى حق غيره فيضمن (٣).

وان أحدث السارق فى المسروق حدثا.

فان كان حدثا أوجب النقصان فانه يقطع وتسترد العين على المالك، وليس عليه ضمان النقصان، واذا كان أحدث حدثا أوجب الزيادة فالأصل فى هذا أن السارق اذا أحدث فى المسروق حدثا لو أحدثه الغاصب فى المغصوب انقطع حق المالك ينقطع حق المسروق منه، والا فلا.

وعلى هذا اذا قطع السارق الثوب المسروق وخاطه قميصا انقطع حق المالك لأنه لو فعله الغاصب انقطع حق المغصوب منه كذا اذا فعله السارق ولا ضمان على السارق، ولو صبغه أحمر أو أصفر فلا سبيل للمالك على العين المسروقة فى قول أبى حنيفة، لأن المغصوب منه له أصل الثوب وهو متقوم وللغاصب فيه كذلك حق متقوم الا أنه جعل الخيار للملك، لأن المالك صاحب أصل والغاصب صاحب وصف، وهنا فى السرقة حق السارق متقوم وحق المالك فى أصل الثوب ليس بمتقوم فى حق السارق لأجل القطع فاعتبر حق السارق وتعذر تضمينه لضرورة القطع فيكون له مجانا.

وفى قولهما يأخذ المالك الثوب ويعطيه ما زاد الصبغ فيه، لأنه لو وجد هذا من الغاصب لخير المالك بين أن يضمن الغاصب قيمة الثوب وبين أن يأخذ الثوب ويعطيه ما زاد فيه الا أن التضمين هنا متعذر لضرورة القطع فتعين الوجه الآخر (٤).


(١) الآية رقم ٣٨ من سورة المائدة.
(٢) بدائع الصنائع للكاسانى ج ٧ ص ٨٤ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج ٧ ص ٨٥ الطبعة السابقة.
(٤) المرجع السابق ج ٧ ص ٨٩ وما بعدها