للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستعمل فيه من قبل من المعانى التى أشرنا اليها فيما سبق، بل ظل فى عصر العلوم وفى دائرتها مستعملا فيما كان يستعمل فيه من قبل، فكان يستعمل فى الدلالة على القيام بالعمل المطلوب دينا وان لم يصحب ذلك تصديق وايمان قلبى كما جاء فى قوله تعالى فى سورة الحجرات «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً» (١) فنفت الآية عنهم الايمان لعدم دخوله فى قلوبهم تصديقا واذعانا، وأثبتت لهم الاسلام وهو الانقياد والاستسلام، وذلك ما دعا كثيرا من العلماء والفقهاء الى أن يفرقوا بين الاسلام والايمان.

فكان الزهرى يقول: الاسلام الكلمة والايمان العمل، كما يرى غيره أن الاسلام اسم لما يظهر من الأعمال، والايمان اسم لما يبطن من الاعتقاد، استنادا الى تلك الآية والى ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث عمر من أن الاسلام أعمال تؤدى باللسان وبغيره من جوارح البدن، وان الايمان اذعان وتصديق والى أن أصل الاسلام الاستسلام والانقياد وأصل الايمان التصديق، وقد يكون المرء مستسلما فى الظاهر غير منقاد فى الباطن.

ولم يمنع ذلك آخرين من أن يروا أن الاسلام والايمان قد يستعملان مترادفين استنادا الى قوله تعالى «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (٢).

وجملة القول فى ذلك أن المعنى فيهما يختلف باختلاف الاستعمال ومواضعه.

وأن التحقيق فى ذلك أنهما قد يستعملان مترادفين كما ذكرنا.

وقد يستعملان على خلاف بينهما فى الدلالة غير أنه لا يستعمل الايمان الا عند التصديق والعمل، فليس بمؤمن على التحقيق من صدق بقلبه فقط‍ ولم يعمل، لأن عدم عمله دليل على عدم تصديقه المعتبر الذى يتمثل ظاهرا فى أثره من العمل والانقياد، وأدناه نطقه بالشهادتين، وعلى ذلك يكون كل مؤمن مسلما وليس كل مسلم مؤمنا اذ قد يكون منه العمل دون أن يكون مع ذلك مصدقا مذعنا.

والاسلام كثيرا ما يستعمل للدلالة على الأمرين جميعا التصديق والعمل كما فى قوله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» (٣) وقوله تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ» (٤) وقوله


(١) الآية رقم ١٤ من سورة الحجرات.
(٢) الآية رقم ٣٦ من سورة الذاريات.
(٣) الآية رقم ٣ من سورة المائدة.
(٤) الآية رقم ٨٥ من سورة آل عمران.