وقد جاء من الأحاديث ما يدل على أن النطق بالشهادتين كاف فى تحقق الاسلام ووجوده ظاهرا، وان من نطق بهما حكم باسلامه فى ظاهر حاله، وعومل معاملة المسلمين، وأجريت عليه أحكام الاسلام، ويعد نطقه بالشهادتين دليل تصديقه بقلبه، أما تركه لفرائض الاسلام وواجباته من صلاة وزكاة وصيام وحج مع القدرة لا عن جحود وانكار فعصيان يؤاخذ به ويعاقب عليه، ولا يذهب باسلامه ولا يدحضه فيما بينه وبين الناس. أما فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى فقد كان هذا الأمر محل خلاف.
فالجمهور على أن الاسلام والايمان عند الله تعالى كلاهما نطق باللسان وعمل بالأركان، ويريدون بذلك أن الأعمال شرط فى كماله.
وعن هذا نشأ القول بزيادته ونقصانه.
والمرجئة يقولون هو اعتقاد ونطق بالشهادتين فقط.
والكرامية يقولون هو نطق بالشهادتين فقط.
والمعتزلة يقولون أنه العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين جمهور السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا فى الصحة.
وأن السلف جعلوها شرطا فى كماله.
وهذا كله بالنظر كما أشرنا الى ما بين المرء وربه سبحانه وتعالى.
أما بالنظر الى ما هو الظاهر فى معاملاتنا فليس الا الاقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه أحكام الاسلام فى الدنيا، ولم يحكم عليه بكفره الا ان اقترن به فعل يدل على كفره وجحوده كالسجود للأصنام فان كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق ففاعله مؤمن أو مسلم بالنظر الى اقراره، ومن نفى عنه الايمان أو الاسلام فقد نظر الى كماله، ومن أطلق عليه اسم الكفر فقد نظر الى أنه أتى بفعل الكافر، ومن نفى عنه الاسلام والايمان فقد نظر الى حقيقتهما.
وأثبت المعتزلة الواسطة فقالوا: ان الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر (١) ولكى تكون الشهادة بأن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله دليل اسلام حقيقى يجب أن تصدر عما تحويه فى طيها من اخلاص فى عبادته سبحانه وتعالى، واخلاص فى التوجه اليه، واخلاص فى حبه وطاعته وأن يكون الناطق بها قد سما بنفسه الى درجة جعلته أهلا لهذه الشهادة واعيا لمعناها، وأنه فى كل ما يأتيه ويدعه وفى حركته وسكونه وفى
(١) باب الايمان شرح فتح البارى وما بعدها ومن الكرمانى ج ١ ص ٦٩ وما بعدها.