للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ‍ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ» (١).

كما سوى بين الناس بقوله صلّى الله عليه وسلم: الناس سواسية كأسنان المشط‍. وقرر كذلك مسئولية كل وال عن ولايته بقوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.

وكل هذه أحكام متعلقة بنظام الحكم غير انها أحكام عامة يراد بها التوجيه والارشاد عند التطبيق وقد أريد بها أن تكون مبادئ عامة مرنة لتساير كل زمن وتوافق كل أمة وجيل وتطابق كل تقليد حتى تختار كل أمة ما يلائمها من نظم الحكم وأساليبه اذ كل أمة لها ما يصلحها، وما يصلح لأمة قد لا يصلح لغيرها ولم يعرف التاريخ نظاما من أنظمة الحكم يصلح لكل زمن ولكل أمة.

وفى عصرنا هذا نجد اختلافا بينا فى أنظمة الحكم وتباينا فى صورها ولذا كان من الحكمة وقد جاءت الشريعة الاسلامية شريعة عامة دائمة أن تقتصر فى بيانها على الأسس والاهداف التى يجب أن يؤسس عليها الحكم دون التعرض للتفصيل.

ولقد أقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم أول دولة اسلامية بالمدينة حين هاجر اليها فكانت رياستها اليه بحكم رسالته ودعوته ولم يكن لها نظم الممالك القائمة فى عصره صلّى الله عليه وسلم فى بلاد الفرس والروم وفى بلاد الاحباش بل كان لها نظامها الخاص بها الملائم لعادات العرب وتقاليدهم واخلاقهم القائم على الدعوة الاسلامية والاسس القرآنية والمبادئ النبوية من أهداف وأغراض وما تهدى اليه من مودة واخاء ووحدة فكان أفرادها أخوة متحابين متعاونين متكافلين يرجعون فى كل أمورهم ومنازعاتهم وخلافاتهم الى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فكان معلمهم ورسولهم وقائدهم وحاكمهم وقاضيهم ترد اليه الاموال العامة من زكاة وغنائم يوزعها بينهم ويفصل فى خصوماتهم ويولى الصالح منهم من أمورهم ما يقوم بكفايتها ثم لم يلبث نظام هذه الدولة بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم ان تعرض لشئ من التحول والتغير تتطلبه اختلاف الظروف واتساع الولاية الاسلامية فكان ذلك دليلا على ما للنظام الاسلامى فى ولاية الحكم من مرونة تسمح بالتغير مسايرة للتطور واستجابة لدواعى المصلحة كما كان دليلا أيضا على أن نظام الحكم الاسلامى نظام تختلف صوره وأشكاله تبعا لاختلاف الظروف واختلاف الامم عادة وتقاليد وثقافة لا تتعارض مع نص صريح أريد به حكم عام وليس ذلك مما يبعده عن الدين وعن أن يكون شريعة شرعها الله سبحانه وتعالى فان من الاحكام الشرعية ما تتطلبه مصالح الناس العامة وتختلف باختلافها


(١) الآية رقم ٦٠ من سورة الانفال.