ثم قال: وان أسلم الأسير صار رقيقا فى الحال وزال التخيير وصار حكمه حكم النساء، لأنه أسير يحرم قتله فصار رقيقا كالمرأة فان سأل الأسارى من أهل الكتاب تخليتهم على اعطاء الجزية لم يجز ذلك فى نسائهم وذراريهم لأنهم صاروا غنيمة بالسبى.
وأما الرجال فيجوز ذلك فيهم، ولا يزول التخيير الثابت لأنه بدل لا تلزم الاجابة اليه فلم يحرم قتلهم كبدل عبدة الأوثان.
ومن أسر أسيرا لم يكن له قتله حتى يأتى به الامام فيرى فيه رأيه، لأنه صار أسيرا فالخيرة فيه الى الامام.
وقد روى عن الامام أحمد كلام يدل على اباحة قتله فانه قال: لا يقتل أسير غيره الا أن يشاء الوالى، فمفهومه أن له قتل أسيره بغير اذن الوالى، لأن له أن يقتله ابتداء فكان له قتله دواما كما لو هرب منه أو قاتله، فان امتنع الأسير أن ينقاد معه فله اكراهه بالضرب وغيره فان لم يمكنه اكراهه فله قتله، وان خافه أو خاف هربه فله قتله أيضا، وان امتنع من الانقياد معه لجرح أو مرض فله قتله أيضا، وتوقف أحمد عن قتله، والصحيح أنه يقتله كما يذفف (أى يجهز) على جريحهم ولأن تركه حيا ضرر على المسلمين وتقوية للكفار فتعين القتل كحالة الابتداء اذا أمكنه قتله وكجريحهم اذا لم يأسره، فأما أسير غيره فلا يجوز له قتله الا أن يصير الى حال يجوز قتله لمن أسره.
وقد روى يحيى بن أبى كثير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا يتعاطين أحدكم أسير صاحبه اذا أخذه فيقتله رواه سعيد، فان قتل أسيره أو أسير غيره قبل ذلك أساء ولم يلزمه ضمانه لأن عبد الرحمن بن عوف أسر أمية ابن خلف وابنه عليا يوم بدر فرآهما بلال فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما ولم يغرموا شيئا، ولأنه أتلف ما ليس بمال فلم يغرمه كما لو أتلفه قبل أن يأتى به الامام، ولأنه أتلف ما لا قيمة له قبل أن يأتى به الامام فلم يغرمه كما لو أتلف كلبا، فأما لو قتل امرأة أو صبيا غرمه لأنه صار رقيقا بنفس السبى.
ثم قال ومن أسر فادعى أنه كان مسلما لم يقبل قوله الا ببينة لأنه يدعى أمرا الظاهر خلافه يتعلق به اسقاط حق يتعلق برقبته فان شهد له واحد حلف معه وخلى سبيله لما روى عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «لا يبقى منهم أحد الا أن يفدى أو يضرب عنقه فقال عبد الله بن مسعود الا سهيل بن بيضاء فانى سمعته يذكر الاسلام فقال