للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما من المشهود عليه مثل العقود، كالبيع، والاجارة، وغيرهما من الأقوال، فيحتاج الى أن يسمع كلام المتعاقدين ولا تعتبر رؤية المتعاقدين اذا عرفهما وتيقن أنه كلامهما، وبهذا قال ابن عباس والزهرى، وربيعة، والليث، وشريح، وعطاء، وابن أبى ليلى، لانه عرف المشهود عليه يقينا، فجازت شهادته عليه، كما لو رآه، وجواز اشتباه الأصوات، كجواز اشتباه الصور.

وانما تجوز الشهادة لمن عرف المشهود عليه يقينا.

وقد يحصل العلم بالسماع يقينا، وقد اعتبره الشرع بتجويزه الرؤية من غير رؤية ولهذا قبلت رواية الاعمى ورواية من روى عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير محارمهن.

النوع الثانى وهو ما يعلمه بالاستفاضة، وأجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها فى النسب والولادة.

قال ابن المنذر: أما النسب، فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه، ولو منع ذلك لاستحالت معرفة الشهادة به اذ لا سبيل الى معرفته قطعا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه، ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أماه ولا أحدا من أقاربه وقد قال الله تعالى «يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ١».

واختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب والولادة.

فقال أصحابنا: هو تسعة أشياء:

النكاح والملك المطلق، والوقف، ومصرفه، والموت، والعتق والولاء، والولاية، والعدل. وبهذا قال ابو سعيد الأصطخرى وبعض أصحاب الشافعى لان هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها فى الغالب بمشاهدتها، أو مشاهدة أسبابها، فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب.

وقال أحمد فى رواية المروزى: أشهد أن دار بختان لبختان وان لم يشهدك، وقيل له تشهد أن فلانة امرأة فلان ولم تشهد النكاح؟ فقال: نعم اذا كان مستفيضا فأشهد أقول أن فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن خديجة وعائشة زوجاه، وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة.

فان قيل: يمكنه العلم فى هذه الاشياء بمشاهدة السبب.

قلنا: وجود السبب لا يفيد العلم بكونه سببا يقينا، فانه يجوز أن يشترى ما ليس بملك البائع، ويصطاد صيدا صاده غيره، ثم انفلت منه، وان تصور ذلك فهو نادر.

وذكر القاضى فى المجرد أنه يكفى أن يسمع من اثنين عدلين، ويسكن قلبه الى خبرهما، لان الحقوق تثبت بقول اثنين.


(١) الآية رقم ١٤٦ من سورة البقرة.