وكان بناء المدارس وما كان لها من أوقاف سببا لتدخل الحكومات الإسلامية فى شأن هذا التعليم بها ثم الإشراف عليه ثم تولى أمره كما هو الحال فى مصر وفى أكثر البلاد، وبذلك انقضى عهد التعليم والتعلم الفقهى الحر، اللهم إلا فى يسير من الأماكن.
وتعليم الفقه وتعلمه الآن فى المعاهد الدينية تعلم دينى كما كان من قبل. أما فى كليات الحقوق فتعليم تشريعى يتلقاه المسلم وغير المسلم.
ويعلم الفقه فى المساجد وفى المدارس بقدر ما يحتاج إليه المسلم فى تصحيح عبادته.
وبعد أن اتسع الكلام فى العقائد وفى الحديث رواية ودراية، وفى التفسير - كان لكل ناحية منها أهلها المختصون بها كما كان للفقه أهله.
وفى منتصف هذا الطور بدأ التعليم يكون مختلطا، وجمعت كل هذه العلوم إلى بعضها فى دور التعليم، فكان التعليم الدينى يتناول ما يسمى بالعلوم الآلية وهى النحو والصرف وعلوم البلاغة الثلاثة وأصول الفقه والمنطق والتوحيد والفقه والتفسير والحديث، وقد سرى فى المحيط الإسلامى ما أعجب به علماء الأتراك العثمانيين وأغرقوا فيه من الانغماس فى العلوم العقلية والفلسفية وتقدير البارز فيها وعدم المبالاة بالنبوغ فى غيرها وإن كان الفقه.
ثم كانت فيما بعد العودة إلى الطريقة المثلى طريقة التخصص فكانت للفقه فى أكثر الأقطار الإسلامية كليات الشريعة.
وما تقدم أول هذا الفصل عن المصدر الوحيد للمقلدين مهما كان مقدار تحصيلهم وما لهم من الذوق الفقهى هو الذى يجرى عليه الكثيرون.
ويخالفه على استقامة فريق آخر يرى أن الاجتهاد واجب على كل إنسان حتى على العامى ولهم فى ذلك تفصيلات وحجج يضيق عنها المقام.
وهناك طريقة أخرى يبدو منها الاعتدال هى طريقة ابن عبد البر وهى خاصة بالمتفقهة وأهل الفقه فعاب على طلاب العلم فى بلده وفى زمنه أن حادوا عن طريق السلف وأطرحوا الكتاب والسنة والآثار والوقوف على الإجماع والاختلاف، واعتمدوا على ما دون لهم من الرأى والاستحسان ومن مولدات الفروع بحجة أن من قبلهم كفاهم الرجوع إلى الأصول.
ومع ذلك فهم لا ينفكون عن ورود النوازل عليهم فيما لم يتقدمهم إلى الجواب عنه غيرهم فهم يقيسون على ما يحفظون من المسائل ويستدلون منها ويتركون طريق الاستدلال الصحيح وطالبهم بما يريده فى استفاضة، ومحصل ما يرمى إليه أنه لا يريد أن يكون هناك إلا متفقهة وطلاب ومجتهدون ولا يرضى عن الطبقات الوسطى التى يقول بها سواه كما لا يرضى عما يقول به الآخرون من اجتهاد المتفقهة والعوام.
وفى أواخر هذا الطور أخذ نطاق الفقه يضيق بزوال الحاجة الى كثير من أبوابه.