فان امتحى الكتاب وكانا يحفظان ما فيه جاز لهما أن يشهدا بذلك، وان لم يحفظا ما فيه لم تمكنهما الشهادة.
ودليلنا على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له أنه لا يقرأ كتابا غير مختوم، فاتخذ الخاتم.
واقتصاره على الكتاب دون الختم دليل على أن الختم ليس بشرط فى القبول، وانما فعله النبى صلّى الله عليه وسلّم ليقرؤوا كتابه، ولأنهما شهدا بما فى الكتاب وعرفا ما فيه، فوجب قبوله، كما لو وصل مختوما وشهدا بالختم.
قال ابن قدامة: اذا ثبت هذا فانه انما يعتبر ضبطهما لمعنى الكتاب، وما يتعلق به الحكم.
قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن قوم شهدوا على صحيفة وبعضهم ينظر فيها وبعضهم لا ينظر؟ قال:
اذا حفظ فليشهد، قيل: كيف يحفظ وهو كلام كثير؟ قال: يحفظ ما كان عليه الكلام والوضع، قلت: يحفظ المعنى؟ قال:
نعم، قيل له: والحدود والثمن وأشباه ذلك؟ قال: نعم.
ولو أدرج الكتاب وختمه وقال هذا كتابى أشهدا على بما فيه أو قد اشهدتكما على نفسى بما فيه لم يصح هذا التحمل لأنهما شهدا بمجهول لا يعلمانه فلم تصح شهادتهما كما لو شهدا أن لفلان على فلان مالا.
الشرط الثانى: أن يكتبه القاضى من موضع ولايته وحكمه فان كتبه من غير ولايته لم يسغ قبوله، لأنه لا يسوغ له فى غير ولايته حكم فهو فيه كالعامى.
الشرط الثالث: أن يصل الكتاب الى المكتوب اليه فى موضع ولايته فان وصله فى غيره لم يكن له قبوله حتى يصيرا الى موضع ولايته.
ثم قال ابن قدامة فى موضع آخر (١):
وان تغير حال الكاتب بموت أو عزل بعد أن كتب الكتاب، وأشهد على نفسه لم يقدح فى كتابه، وكان على من وصله الكتاب قبوله والعمل به سواء تغيرت حاله قبل خروج الكتاب من يده أو بعده، وبهذا قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة لا يعمل به فى الحالين.
ودليلنا أن المعول فى الكتاب على الشاهدين اللذين يشهدان على الحاكم وهما حيان، فيجب أن يقبل كتابه كما لو لم يمت ولأن كتابه ان كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بموته وعزله وان كان فيما ثبت عنده بشهادة فهو أصل، واللذان شهدا عليه فرع، ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهد الأصل، وان تغيرت حاله بفسق قبل الحكم بكتابته لم يجز
(١) المغنى لابن قدامة ج ١١ ص ٤٧٢ وما بعدها الطبعة السابقة.