ونظير ذلك القياس فى الأحكام بغالب الرأى فى موضع الاجتهاد ..
ثم القياس بعد هذا ان يكتفى بشهادة الواحد، لأن رجحان جانب الصدق يظهر فى خبر الواحد العدل موجبا للعمل فى رواية الحديث.
وكما لا يثبت القطع بخبر الواحد كذلك لا يثبت بخبر الاثنين ولا يخبر الأربعة بل يثبت بالعدد البالغ حد التواتر.
واذن لا معنى لاشتراط رجلين أو رجل وامرأتين لعدم الفائدة ..
ويمكن ترك ذلك بالنصوص المبينة للعدد فى الكتاب والسنة، وحاشا ان ترد النصوص من الكتاب والسنة بتحديد العدد فى الشهادة واختلافه باختلاف الموضوعات والمسائل المشهود بها من غير أن تكون له فائدة او مغزى وأقل ما فيه طمأنينة القلب وذلك عند اخبار العدد اظهر منه فى خبر الواحد ثم فى العدد معنى التوكيد اذ التزوير والتلبيس فى الخصومات يقع بكثرة، فيشترط العدد صيانة للحقوق من الضياع، فلو لم تعتبر الشهادة حجة لوقع الناس فى الحرج المدفوع بقول الله تعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»}.
والشهادة حجة متعدية الى الغير على خلاف الاقرار فانه حجة قاصرة على نفس المقر، ولذلك قالوا: تسمع البينة بعد الاقرار فى بعض المواضع اذا طلب المدعى بقصد تعدية الحكم الى الغير وجعله حجة عليه كما بين فى موضعه.
حكم الشهادة:
الشهادة نوعان: شهادة تحمل، وشهادة أداء.
وتحمل الشهادة معناه علم الشاهد بالحادثة عند حصولها وفهمه لها، واحاطته بها على وجه يستطيع معه أن يؤدى الشهادة بها عند القاضى فى مجلس الحكم على وجه صحيح يترتب عليه أثرها، وهو وجوب القضاء بها اما باشهاد صاحب الحق وطلبه، أو بحضور الشاهد ومشاهدته.
وتحمل الشهادة مندوب ومستحب احياء للحقوق، الا أن يترتب على عدم التحمل ضياع الحق، فيكون التحمل واجبا محافظة على الحقوق من الضياع. وهذا اذا ما دعى الشخص للشهادة من صاحب الحق.
أما أداء الشهادة فهو أن يشهد الشاهد بما تحمله أمام القضاء فى مجلس الحكم، وهذا واجب وحتم اذا ما دعاه صاحب الحق للأداء.
وقد قيل فى تأويل قول الله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» انه يحتمل أن يكون المراد النهى عن الاباء عن تحمل الشهادة اذا دعاه صاحب الحق للتحمل ضمانا لحقه فى المستقبل عند حصول نزاع عليه، فيكون النهى لكراهة الأباء عن التحمل كراهة تنزيه، ومرجعها خلاف الأولى.
ويكون التحمل مندوبا اليه شرعا، لما فيه من اعانة المسلم على حفظ حقه.
ويحتمل أن يكون النهى موجها الى من تحملوا الشهادة بالفعل فى الماضى ينهاهم الشارع عن الاباء عن أداء الشهادة أمام الحاكم عند الخصومة اذا دعاهم صاحب الحق لأدائها، فيكون النهى للتحريم، ويكون أداء الشهادة واجبا مفروضا.