فى حقوق الله تعالى غير الحدود جميع الشروط السابقة فى حقوق العباد. ما عدا طلب صاحب الحق أداء الشهادة، فانه ليس بشرط هنا لوجوب الأداء، بل تجب الشهادة هنا بدون طلب، لأن حق الله تعالى يجب على كل مسلم مكلف القيام باثباته. والشاهد من جملة المسلمين المكلفين فوجب عليه الاثبات فى ذلك وكان قائما بالخصومة من جهة الوجوب وكان شاهدا من جهة تحمل ذلك.
والقاضى فى هذه المسائل يكون نائبا عن الله تعالى فكأنه حصلت دعوى فلم يحتج الى خصم آخر.
وهذه الحقوق هى المسائل التى تسمع فيها الشهادة حسبة بدون سابقة دعوى.
كالطلاق والخلع والايلاء والظهار والمصاهرة وهلال رمضان، والنسب على خلاف فيه، والرضاع وجرح الشاهد. والوقف على تفصيل فيه.
حق الله تعالى اذا كان حدا.
أما اذا كان الحق الذى يراد اثباته حدا من الحدود كالزنا وشرب الخمر وغيرها لم تجب الشهادة أصلا، وكان الشاهد مخيرا بين أن يشهد، وأن لا يشهد، أى بين الستر والاظهار، لأنه بين حسنيين، طلب الشارع كلا منهما اقامة الحد اخلاء للعالم من الفساد، والستر توقى التهتك المندوب اليه بالحديث من ستر على مسلم ستر الله عليه فى الدنيا والآخرة.
واذا كان الستر مندوبا اليه فالشهادة تكون خلاف الأولى وهذا فى غير المتهتك الذى يجاهر بالفسق والعصيان ويفتخر بارتكاب الفاحشة أما هذا المتهتك فالشهادة عليه أفضل اخلاء للأرض من الفساد وقطعا لدابر الشر، ولأن الستر عليه يؤدى الى تماديه فى الغى والضلال.
وهذا فى غير السرقة أما فى السرقة فلا يترك الشهادة اذ يترتب على تركها ضياع حق صاحب المال المسروق منه فيؤديها احياء لماله، ولكن يقول فى شهادته ان فلانا (أخذ) من فلان كذا توصيلا الى الحكم عليه برد ما أخذ وضمانه ولا يقول (سرق) من فلان كذا محافظة على الستر، وتوصلا للضمان اذ لو قال (سرق) يحكم عليه بقطع يده اذا بلغ المسروق النصاب وتوافرت الشروط كلها، ولا يحكم بالضمان حينئذ، اذ المقرر أنه لا يجتمع قطع وضمان، فيضيع حق صاحب المال ولم تكن الشهادة لاحياء الحق بل كانت لاضاعته.
ولا يقال ان أداء الشهادة واجب بمقتضى النص (ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا) {(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ ١ قَلْبُهُ)} فكيف تخرج الشهادة على الحدود من حكم