وفى أحكام كل من النوعين المعنى الخلقى والمعنى التعبدى الروحى فلها قوتها وشمولها بخلاف الشرائع الوضعية فإنها مع جفافها لا تنظر الى الفضائل والرذائل الا النظرة لمادية المجردة.
ثالثا - أن لكل من الأحكام الشرعية والشرائع الوضعية الجهاز الدنيوى الذى يراقب تنفيذه وهما سواء فى ذلك. وتمتاز الأحكام الشرعية بمراقبة أعلى هى مراقبة العليم الخبير الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. فمن خالف القانون الوضعى وأفلت من المراقبة فلا عليه بعد ذلك.
أما من خالف الشريعة الإسلامية وأفلت من جهاز المراقبة الدنيوية فإنه لن يفلت من المراقبة العليا وهو ملاق جزاءه لا محالة.
وذلك من أعظم مزايا التشريع ومن أقوى العوامل على إطاعته وتنفيذ أحكامه فى السر وفى العلن.
رابعا - أن الفقه الإسلامى بجميع أحكامه قد عاش قرونا متطاولة متلاحقة متتابعة، الأمر الذى لم يظفر به ولا بما يقرب منه أى تشريع فى العالم لا فى القديم ولا فى الحديث. وقد طوف فى الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ونزل السهول والجبال والصحارى، ولاقى مختلف العادات والتقاليد، وتقلب فى جميع البيئات وعاصر الرخاء والشدة، والسيادة والاستعباد، والحضارة والتخلف، وواجه الأحداث فى جميع هذه الأطوار فكانت له ثروة فقهية ضخمة لا مثيل لها، وفيها يجد كل بلد أيسر حل لمشاكله، وقد حكمت فى أزهى العصور فما قصرت عن الحاجة، ولا قعدت عن الوفاء بأى مطلب، ولا تخلفت بأهلها فى أى حين. فحرام علينا أن نتسول ونحن الأغنياء، وأن تتطفل على موائد المحدثين ونحن السادة الأكرمون. قاتل الله الاستعمار التشريعى وصنائعه وما يفعلون.