فالمراد منه: تحقق ذلك ولو بالقوة أى: الاقتدار على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
وذلك لأن من عرف أحوال الأدلة الاجمالية من حيث دلالتها على الأحكام عرف أحوال جزئياتها - وهى الأدلة التفصيلية من هذه الجهة، وتلك الحيثية فاذا وجد الأدلة التفصيلية: أمكنه الخوض فيها، واستنباط الأحكام منها، على الصواب بقدر الوسع والطاقة.
فلا يلزم من كون الشخص أصوليا، أن يكون فقيها: لأنه قد يعلم بأحوال الأدلة ولكن لا يجدها وقد يجدها ولكن لا ينظر فيها.
وان كان يلزم من كونه فقيها - أى مدركا للأحكام وعارفا بها عن أدلتها التفصيلية - أن يكون أصوليا: لتوقف معرفة الأحكام من تلك الأدلة على معرفة أحوالها، وتوقف معرفة أحوالها على العلم بأحوال كلياتها: التى انما يعنى الأصولى وحده بالبحث عنها.
ومن هنا عرف ابن الحاجب «الأصول» بأنه «العلم بالقواعد التى يتوصل بها الى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية».
ومن أهم فوائده أيضا: أنه من أكبر الوسائل لحفظ الدين، وصون أدلته وحججه من تشبيه المتحللين، وتضليل الملحدين.
ومن أعظم الحواجز التى تدفع طعن الطاعنين وتمنع التأثر بتشكيك المخالفين.
وتمكن من الرد على نحو قول الهشامية (فرقة من الشيعة الإمامية. تنسب الى هشام ابن الحكم) «لا دلالة فى القرآن على حلال ولا حرام».
وقول بعض الحشوية: «ان فى القرآن ألفاظا مهملة، لا دلالة لها على شئ بالكلية».
وقول بعض المعتزلة: (ولا حجة فى الأخبار الآحادية».
وقول بعض النظامية والرافضة ان الاجماع والقياس ليسا من الحجج الشرعية «وغير ذلك مما يطول ذكره وشرحه».
٣ - وبالجملة فأصول الفقه هو العلم الذى يكون المجتهد المفكر، والفقيه المثمر.
فلا يمكن أن يستغنى عنه من يهتم بعلم الفقه والخلاف، ويتعرض لمقارنة المذاهب المختلفة، والموازنة بين الآراء المتباينة، ويعنى باظهار عللها وأدلتها، وكيفية دلالتها عليها، ويحرص على التقريب بينها، أو اظهار الحق فيها وبيان قويها من ضعيفها، أو صحيحها من باطلها، ومن يرغب فى دراسة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - دراسة علمية صحيحة: تمكنه من معرفة أسرارها