وان قال: هذا بل هذا عتقا جميعا، لأنه صار راجعا عن الأول مقرا بالثانى، فان مات قبل أن يبين رجع الى قول الوارث لأن له طريقا الى معرفته فان قال الوارث لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لأنه ليس احدهما بأولى من الآخر فرجع الى القرعة.
ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه يوقف الى أن ينكشف لأن القرعة تفضى الى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف الى أن يتبين والأول هو الصحيح، لأن البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث فى رقيقه وبالحر فى حق نفسه.
وان أعتق عبدا من أعبد أخذ بتعيينه وله ان يعين من شاء، فان قال:
هو سالم، بل غانم، عتق سالم، ولم يعتق غانم، لأنه تخير لتعيين عتق، فاذا عينه فى واحد سقط خياره فى الثانى، فان مات قبل أن يعين ففيه وجهان.
أحدهما لا يقوم الوارث مقامه فى التعيين، كما لا يقوم مقامه فى تعيين الطلاق فى احدى المرأتين، فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق.
والوجه الثانى يقوم الوارث مقامه وهو الصحيح، لأنه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعة والرد بالعيب (١).
وجاء فى مغنى المحتاج أنه لو اعتق شخص ثلاثة من الأرقاء معا كأعتقتكم لا يملك غيرهم عند موته وقيمتهم سواء ولم تجز الورثة عتقهم عتق أحدهم بقرعة لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقا.
والأصل فيها ما رواه مسلم عن عمران بن الحصين رضى الله تعالى عنه بأن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجزأهم اثلاثا ثم اقرع بينهم فأعتق اثنين ورق أربعة، والظاهر تساوى الأثلاث فى القيمة لأن عبيد الحجاز غالبا لا تختلف قيمتهم.
وكذا لو قال اعتقت ثلثكم أو قال ثلثكم حر فيعتق واحد منهم بقرعة.
وانما لم يعتق ثلث كل منهم فى هاتين، لأن عتق بعض الرقبة كاعتاق كله.
فلو قال أعتقت ثلث كل عبد منكم أقرع بينهم أيضا فى الأصح ويعتق واحد بقرعة كما مر.
(١) المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على الفيروزابادى الشيرازى ج ٢ ص ٤ فى كتاب بأسفل صفحاته النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.