للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهبة أن يكون الموهوب محوزا، فلا تجوز هبة المشاع فيما يقسم وتجوز فيما لا يقسم كالعبد والحمام والدن ونحوها عندنا لاجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فانه روى أن سيدنا أبا بكر رضى الله تعالى عنه قال فى مرض موته لسيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنها ان أحب الناس الى غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت، وانى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالى بالعالية وانك لم تكونى قبضتيه ولا جزيتيه وانما هو اليوم مال الوارث، اعتبر سيدنا أبو بكر رضى الله تعالى عنه القبض والقيمة فى الهبة لثبوت الملك، لأن الحيازة فى اللغة جمع الشئ المفرق فى حيز وهذا معنى القسمة، لأن الانصباء الشائعة قبل القسمة كانت متفرقة والقسمة تجمع كل نصيب فى حيز، وروى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه قال ما بال أحدكم ينحل ولده نحلا لا يحوزها ولا يقسمها ويقول ان مت فهو له وان مات رجعت الى، وايم الله لا ينحل أحدكم ولده نحلا لا يحوزها ولا يقسمها فيموت الا جعلتها ميراثا لورثته.

والمراد من الحيازة القبض هنا لأنه ذكرها بمقابلة القسمة حتى لا يؤدى الى التكرار، أخرج الهبة من أن تكون موجبة للملك بدون القبض والقسمة.

وروى عن سيدنا على رضى الله تعالى عنه أنه قال من وهب ثلث كذا أو ربع كذا لا يحوز ما لم يقاسم، وكل ذلك بمحضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أنكر عليهم منكر فيكون اجماعا، ولأن القبض شرط‍ جواز هذا العقد والشيوع يمنع من القبض، لأن معنى القبض هو التمكن من التصرف فى المقبوض، والتصرف فى النصف الشائع وحده لا يتصور، فان سكنى نصف الدار شائعا ولبس نصف الثوب شائعا محال ولا يتمكن من التصرف فيه بالتصرف فى الكل، لأن العقد لم يتناول الكل.

وهكذا نقول فى المشاع الذى لا يقسم ان معنى القبض هناك لم يوجد الا أن هناك ضرورة لأنه يحتاج الى هبة بعضه ولا حكم للهبة بدون القبض والشياع مانع من القبض الممكن للتصرف ولا سبيل الى ازالة المانع بالقسمة لعدم احتمال القسمة فمست الضرورة الى الجواز واقامة صورة التخلية مقام القبض الممكن من التصرف ولا ضرورة هنا لأن المحل محتمل للقسمة فيمكن ازالة المانع من القبض الممكن بالقسمة (١).

ولو قسم ما وهب وأفرزه ثم سلمه الى الموهوب له جاز لأن هبة المشاع عندنا منعقد موقوف نفاذه على القسمة والقبض بعد القسمة هو الصحيح اذ الشيوع لا يمنع ركن العقد ولا حكمه


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج ٦ ص ١١٩، ص ١٢٠ الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨ هـ‍.