وأما أوقاف الصحابة رضى الله تعالى عنهم فما كان منها فى زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم احتمل أنها كانت قبل نزول سورة النساء، فلم تقع حبسا عن فرائض الله تعالى وما كان بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم فاحتمل أن ورثتهم أمضوها بالاجازة وهذا هو الظاهر ولا كلام فيه.
وانما جاز مضافا الى ما بعد الموت لأنه لما اضافه الى ما بعد الموت فقد أخرجه مخرج الوصية فيجوز كسائر الوصايا لكن جوازه بطريق الوصية لا يدل على جوازه لا بطريق الوصية، ألا ترى أنه لو أوصى بثلث ماله للفقراء جاز ولو تصدق بثلث ماله على الفقراء لا يجوز.
وأما اذا حكم به حاكم فانما جاز لأن حكمه صادف محل الاجتهاد وأفضى اجتهاده اليه وقضاء القاضى فى موضع الاجتهاد بما أفضى اليه اجتهاده جائز كما فى سائر المجتهدات.
ثم فى ظاهر الرواية عن أبى حنيفة لا فرق بين ما اذا وقف فى حالة الصحة وبين ما اذا وقف فى حالة المرض حتى لا يجوز عنده فى الحالين جميعا اذا لم توجد الاضافة ولا حكم الحاكم.
وروى الطحاوى عنه أنه اذا وقف فى حالة المرض جاز عنده ويعتبر من الثلث ويكون بمنزلة الوصية بعد وفاته.
وأما عندهما فهو جائز فى الصحة والمرض.
وعلى هذا الخلاف اذا بنى رباطا أو خانا للمجتازين أو سقاية للمسلمين أو جعل أرضه مقبرة لا تزول رقبة هذه الأشياء عن ملكه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الا اذا أضافه الى ما بعد الموت أو حكم به حاكم.
وعندهما يزول بدون ذلك.
لكن عند أبى يوسف بنفس القول.
وعند محمد بواسطة التسليم وذلك بسكنى المجتازين فى الرباط والخان وسقاية الناس من السقاية. والدفن فى المقبرة.
وأجمعوا على أن من جعل داره أو أرضه مسجدا يجوز وتزول الرقبة عن ملكه لكن عزل الطريق وافرازه والاذن للناس بالصلاة فيه.
والصلاة شرط عند أبى حنيفة ومحمد حتى كان له أن يرجع قبل ذلك.
وعند أبى يوسف تزول الرقبة عن ملكه بنفس قوله جعلته مسجدا وليس له أن يرجع عنه (١).
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج ٦ ص ٢١٨، ص ٢١٩ الطبعة الأولى مطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٨ هـ، سنة ١٩١٠ م.