وجاء فى بدائع الصنائع أنه اذا قطع رجلان يد رجل أو رجله أو اصبعه أو أذهبا سمعه أو بصره أو قلعا سنا له أو نحو ذلك من الجوارح التى على الواحد منهما فيها القصاص لو انفرد به فلا قصاص عليهما، وعليهما الأرش نصفان وكذلك ما زاد على الثلاث من العدد فهو بمنزلة الاثنين ولا قصاص عليهم وعليهم الأرش على عددهم بالسواء (١).
ولو قطع رجل يمينى رجلين تقطع يمينه. ثم ان حضرا جميعا فلهما أن يقطعا يمينه ويأخذا منه دية يد بينهما نصفين وهذا قول أصحابنا رحمهم الله تعالى.
وان حضر أحدهما والآخر غائب فللحاضر أن يقتص ولا ينتظر الغائب، لأن حق كل واحد منهما ثابت فى كل اليد وانما التمانع فى استيفاء الكل بحكم التزاحم بحكم المشاركة فى الاستيفاء، فاذا كان أحدهما غائبا فلا يزاحم الحاضر فكان له أن يستوفى كأحد الشفيعين اذا حضر يقضى له بالشفعة فى كل المبيع، ولأن حق الحاضر اذا كان ثابتا فى كل اليد وأراد الاستيفاء والغائب قد يحضر وقد لا يحضر وقد يطالب بعد الحضور وقد يعفو فلا يجوز تأخير حق الحاضر فى الاستيفاء والمنع منه للحال بعد طلبه لأمر محتمل، ولهذا قضى بالشفعة لأحد الشفيعين اذا حضر وطلب، ولا ينتظر حضور الغائب. كذا هذا وللآخر دية يده على القاطع لأنه تعذر استيفاء حقه بعد ثبوته فيصار الى البدل.
ولأن القاطع قضى به حقا مستحقا عليه فيلزمه الدية، وان عفا أحدهما بطل حقه، وكان للآخر القصاص اذا كان العفو قبل قضاء القاضى بالاجماع، لأن حق كل واحد منهما ثابت فى اليد على الكمال، فالعفو من أحدهما لا يؤثر فى حق الآخر كما فى القصاص فى النفس.
وكذلك لو عدا أحدهما على القاطع فقطع يده فقد استوفى حقه فللآخر الدية.
وأما اذا قضى القاضى بالقصاص بينهما ثم عفا أحدهما فللآخر أن يستوفى القصاص استحسانا فى قولهما.
وقال محمد رحمه الله تعالى اذا قضى القاضى بالقصاص فى اليد بينهما نصفين وبدية اليد بينهما نصفين ثم عفا أحدهما بطل القصاص.
وجه قوله: ان حق كل واحد منهما وان كان ثابتا فى كل اليد لكن القاضى لما قضى بالقصاص بينهما فقد أثبت الشركة بينهما فصار حق كل واحد منهما فى البعض فاذا عفا أحدهما سقط البعض ولا يتمكن الآخر من استيفاء الكل.
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج ٧ ص ٢٩٩ مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٢٨ هـ.